نبض البلد - في الثقافة الشعبية العربية، نعرف صورة "ازعر الحارة الشرير": ذاك الذي يتكأ على احدى حيطان زقاق الحارة يراقص مطوته بين اصابعه امام المارة لِبث رهبته وزرع الخوف لدى الجيران ,تتدلى سيجارته من زاوية شفته السفلى ليزدري الكبير والصغير بالحي كأنه يقول لهم "الجدع يطول " , يفرض سطوته بالقوة، يتنمّر على الضعفاء، ويُشيع الخوف في الأزقة كي يظل مهابًا. لا يستند إلى قانون ولا إلى شرعية، بل إلى غطرسة مؤقتة لا تدوم .
هذه الصورة، وإن بدت محصورة في الأزقة والحواري، تمتد في أذهان كثيرين إلى المشهد السياسي في الشرق الأوسط، حيث يتجلى بنيامين نتنياهو بوصفه "ازعرًا" على مستوى إقليمي . ولو وسّعنا الصورة من "الحارة" إلى "الشرق الأوسط"، سنجد أن بنيامين نتنياهو يلعب الدور نفسه، لكن بحجم أكبر. هو ليس مجرد "ازعر الحارة"، بل "ازعر المنطقة". يلوّح بالسلاح، يتجاهل القوانين الدولية، يتنمّر على شعوب محاصرة، ويستقوي بتحالفات خارجية ليضمن بقاءه في السلطة.
كما أن ازعر الحارة يعيش على السمعة: "إياك تقترب منه… إنه لا يرحم!"، هكذا يحاول نتنياهو أن يصنع صورته أمام خصومه. لكنه في النهاية، مثل أي ازعر، يعتمد على القوة لا على الحق، وعلى الخوف لا على العدالة .
فمنذ أن استحوذ اليمين القومي الصهيوني على السلطة في تل ابيب المتمثل بحزب حيروت اكبرالاحزاب في تكتل الليكود وريث الحركة الصهيونية التنقيحية التي أنشأها زئيف جابوتنسكي بعد انشقاقه عن الحركة الصهيونية العالمية لرفضه تقسيم فلسطين التاريخية واستبعاد شرق الاردن من وعد بلفور ، قدّم نتنياهونفسه نموذجًا جابوتنسكياً يقوم على فرض الأمر الواقع بالقوة، متجاهلًا القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة تطبيقاً حرفياً لمبادئ الحركة الصهيونية التنقيحية وأهداف حزب حيروت العمود الفقري في تكتل الليكود ومن ابرز هذه الاهداف :
•المطالبة بحدود إسرائيل الكبرى، وعدم التخلي عن أي أرض تم احتلالها عام 1967 .
•اعتماد استراتيجية توسيع حدود الدولة بالحرب كوسيلة وحيدة يفهما العرب لفرض "السلام "معهم بالقوة .
•العنف هو الطريق الوحيد لاقامة دولة اسرائيل وضمان بقاءها .
•العمل على تشجيع الاستيطان في فلسطين، واعتبار أن تشجيع الهجرة يقع على رأس مهام الدولة.
•التضييق على الأقلية العربية في الدولة والعمل على تصفية مخيمات اللاجئين من الفلسطينيين بالتهجير .
لذا ومنذ أن تولى نتنياهو زمام السلطة في تل ابيب , حرص أن ينفذ جميع اهداف الحركة الصهيونية التنقيحية بكل جهد و اخلاص , و لم يطرح أي أفق سياسي لحل الصراع العربي الصهيوني ، بل أصرّ على المعادلة العسكرية في نظرية الامن الصهيونية ساعياً وبكل نرجسية أن يتربع على عرش الحركة الصهيونية ليكون ملك من ملوك التوراة الطغاة .
وكما يتنمّر "ازعر الحارة" على الأضعف منه ويحتمي بالأقوى، صبّ نتنياهو زعرنته الصهيونية ، في الضفة و غزة ولبنان واليمن والعراق وايران وتونس واخيرا وليس بآخر العدوان الهمجي في قطر دون أي اكتراث لأي سيادة ضارباً بعرض الحائط لأي عرف دولي يتعلق بحصانة المفاوضين والوسطاء , وكأنه يريد أن يقول حدودك يا اسرائيل, من أقصى مدى تصل اليه قذائف الميركافا وحتى آخر مدى تَنقصف به صواريخ F16 ، يستند في زعرنته و بقائه في السلطة إلى دعم الولايات المتحدة والغرب التي تزوده في السلاح وحق الفيتو .
لذا عندما نتعمق البحث في الفكر الصهيوني نجد أن الصهيونية تقوم بالاساس على فلسفة الزعرنة السياسية حيث تبنت نظرية السوبرمان للفيلسوف الالماني نيتشة الذي اعتبر أن القوة هي الاساس في الكون , وقد اعتبر أحد كبار منظري الصهيونية جوزيف بيرويشفكي أن القوة العنيفة هي الطريق الوحيد لقيام اسرائيل .
لذا من الطبيعي أن تكون مواصلة ازعر الشرق الاوسط نتنياهو لحرب الابادة والعدوان الهمجي على عدة جبهات , واجهاضه لأي صفقة تنهي الابادة في غزة , تنبع من الزعرنة السياسية التي تقوم عليها الفلسفة الصهيونية , فقبله كان بن غوريون أول رئيس لدولة اليهود المؤقتة الذي قال " ان اسرائيل لا يمكنها أن تعيش إلا بالقوة والسلاح " و" القوة هي لغة التفاهم مع العرب " و ايضا كما قال مناحيم بيغن مؤسس حزب حيروت " أنا أحارب إذن أنا موجود " و" اذا لم نحارب فاننا نفنى والحرب هي الطريق الوحيد للخلاص "
لذا ان الاستعارة الشعبية هنا ليست مجرد سخرية بل وصف دقيق: "ازعر الحارة" يظل سيدًا حتى تستيقظ الحارة عليه، وعندها تسقط هيبته سريعًا بقبضات فُتوة الحي حينما يشبعونه ضرباً . كذلك، فإن "ازعر الشرق الأوسط" مهما بدت سطوته راسخة، يبقى مصيره معلّقًا بقدرة الشعوب وارادتها على التوحّد في مواجهة القهر والظلم والعدوان بقوة الحق والعدالة حين تنهض من تحت الركام لتتخلص من الأزعر وكيانه المؤقت .
معتصم صلاح