نبض البلد - د.دانا خليل الشلول
لماذا يرتفع الذهب؟ مخاوف من انهيار العملات الورقية تعيد للأذهان بريقه كملاذ آمن
في الوقت الذي تشهد فيه أسواق الذهب في العالم والأردن ارتفاعاتٍ غير مسبوقة، يثير هذا الارتفاع قلق الكثيرين وتساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراءه؛ هذا الارتفاع ليس مجرد تقلبات عابرة، بل هو انعكاس لمخاوف عالمية متزايدة بشأن مستقبل العملات الورقية وقوتها الشرائية.
وعلى الصعيد التاريخي القديم والمتجذر، يُعتبر الذهب "الملاذ الآمن" الذي يلجأ إليه المستثمرون في أوقات عدم اليقين الاقتصادي والسياسي؛ واليوم، ومع تزايد التوترات الجيوسياسية العالميّة وارتفاع معدلات التضخم عالمياً؛ حيث تضعف القوة الشرائية للعملات الورقية بشكل مستمرٍ وملحوظ، حتى بات الناس قلقون منها ومن امتلاكهم أوراق تنهار شيئاً فشيئاً؛ فهذا الضعف يدفع المستثمرين، والأفراد، والمؤسسات إلى البحث عن أصول تحافظ على قيمتها، ليكون الذهب بالنسبة لهم هو الخيار الأول دائماً.
فيما أنَّ هناك قلقٌ عالمي متزايد من انهيار العملات الورقية، فهذه العملات، على عكس الذهب، لا ترتبط بأي أصلٍ مادي، وقيمتها تستمد من الثقة في الحكومة التي تُصدرها، وقدرتها على إدارة الاقتصاد؛ لكن مع تزايد الديون السيادية في العديد من الدول وارتفاع التضخم، تبدأ هذه الثقة بالتآكل تدريجياً، مما يجعل الناس يخشون على مدخراتهم.
من الخوف الى الندم: الذهب يثير الجدل بين الملاذ الآمن والفرصة الضائعة
بينما تختلف آراء الناس حول الاستثمار في الذهب مع ارتفاع أسعاره، فهناك من يتردد في شرائه، وهناك من يثق به ويعتبره ملاذاً آمنا من أي طارئ قد يحدث، وهناك من يندم على قراراته بشراء الذهب، وهناك أيضاً من يندم أنَّه لم يشتريه بكميات كبيرة منذ زمن بعيد.
وفي ذلك يقول محمد: "ما بقدر أشتري ذهب بهالأسعار، صار سعره خيالي! صحيح الكل بيقول إنه أمان للمستقبل، بس أنا دخلي محدود، وإذا حطيت كل فلوسي بالذهب رح أوقف حياتي، الأفضل أحتفظ بفلوسي وأدبر حالي."
أما سارة فلديها وجهة نظر مختلفة؛ فتقول: "بالعكس، ارتفاع سعر الذهب هو اللي خلاني أقرر أستثمر فيه، كل ما ارتفعت الأسعار، كل ما تأكدت إنه الملاذ الآمن وبضل متطمنة لقدام، لأنه العملات الورقية قيمتها بتنزل كل يوم، والذهب هو اللي بحافظ على قيمة مدخراتي على المدى الطويل وقاعد بغلى."
فيما يُعبر أحمد عن ندمه في تجربته مع الذهب: "اشتريت ليرات ذهب قبل سنوات قليلة، وكان الهدف منها أمان للمستقبل، قبل فترة، ارتفعت الأسعار كثير فقررت أبيعها عشان أستفيد من الربح، لكن بعد شهرين بس، رجع الذهب يرتفع بشكل جنوني لحد اليوم، وصار سعر الليرة الواحدة يساوي أضعاف المبلغ اللي بعت فيه وحسيت بندم كبير،لو ما بعت، كان الربح اللي معي الآن ثلاثة أضعاف، ومش استطاعتي أشتري بالسعر الحالي."
بينما عبّر نايف عن قلقه من الاستثمار في الذهب: "أتذكر جيداً أيام كورونا، لما ارتفع الذهب بشكل جنوني، وقتها اشتريت كمية، لكن بعد فترة قصيرة، نزل سعره كثير بس استقر الوضع وحسيت حالي خسرت كل شيء من وقتها، صار عندي خوف من الاستثمار بالذهب، خاصة مع كل هذي التقلبات اللي بتصير وبطلت أحس في إشي عليه رباط."
وأخيراً شاركتنا هدى شعورها بالندم من جانبٍ مختلف قائلة " أنا بندم إني ما كنت أشتري الذهب وهو بحال البلاش بدل ما أشتري لبس ومكياج كان الآن أنا مأمنة مستقبلي خمس سنين أقل إشي، بهالوقت بطل حدى يقدر يشتريه الألوف بطلت تجيب إلا بالموت قطعة خفيفة.
ومن جهةٕ أخرى، أوضح الخبراء الافتصاديون رأيهم في هذه القضية التي تشغل أذهان كثير من الناس، وفي ذلك، بيّن الخبير الاقتصادي ممدوح جمعة رأيه بهذا الشأن: "الذهب يبقى ملاذاً آمناً في أوقات عدم اليقين الاقتصادي، ومع تزايد المخاوف بشأن التضخم وقيمة العملات العالمية، يمكن للذهب أن يعمل كأداة لحماية القوة الشرائية للمدخرات.
وتابع جمعة "أنصح المستثمرين بتخصيص نسبة صغيرة من محافظهم الاستثمارية للذهب، ما بين 5% إلى 10%، وذلك بهدف التنويع والتحوط من المخاطر.
وأضاف جمعة: "ومع ذلك، يجب الانتباه إلى أن أسعار الذهب تتأثر بعوامل متعددة مثل أسعار الفائدة والسياسات النقدية، لذا لا بد من مراقبة السوق باستمرار قبل اتخاذ أي قرار غير مدروس."
وفي سياق متصل، تحدث المحلل والخبير اقتصادي عدلي قندح بهذا الخصوص: "الذهب ليس مجرد ملاذ آمن، بل هو أداة أساسية لتنويع المحفظة الاستثمارية، ونصيحتي لكل مستثمر هي عدم وضع كل البيض في سلة واحدة، وشراء الذهب كجزء من استراتيجية شاملة."
وأضاف قندح "نصيحتي للناس: لا تشتري كل مدخراتك به مرة واحدة، بل قم بالشراء على فترات متباعدة للاستفادة من تقلبات السوق؛ حيثُ إنَّ لا شيء مضمون بشكل قطعي."
وفي النهاية، يظل الذهب محط أنظار الكثيرين، سواء كاستثمار أو ملاذ آمن، خاصةً في ظل تقلبات الاقتصاد العالمي. وبينما يتأرجح سعر الذهب صعوداً وهبوطاً، حيث تبقى قيمته الحقيقية في كونه وسيلة للحفاظ على القوة الشرائية في وجه التضخم، وفي كونه مصدراً للطمانينة النفسية في أوقات القلق الاقتصادي، ولطالما كان الذهب على مر العصور، ليس فقط قيمة اقتصادية، بل رمزاً للجمال والقوة، حيث تراه النساء زينة لا تفقد بريقها ولا رونقها.