د. عمار حسن: العقل طريق مهم للوصول إلى الله

نبض البلد -
د/ عمار علي حسن ٠٠
 التشدد والغلو في جميع المعتقدات والأيديولوجيات٠
 علينا التفريق بين المواطن العادي والمفكر٠
 المفكر لا ينظر إلى الآخر كعدو بالضرورة٠
 في وسط التجاذبات تزيد سطوة خطاب الحرب٠
المؤرخة المصرية دكتور نيللي قالت: إن رأس الشرق لم يكن فارغا٠ 
 العقل طريقا مهما للوصول لله٠

المقدمة٠٠
تبقى علاقة المفكر الملتزم د عمار علي حسن مع جمهوره علاقة تواصلية تحددها العلاقة الفعلية الواعية، والنظرة. المستقبلية٠ 
د عمار علي حسن لا يحلل الظاهرة الفكرية في عالمنا 
العربي كما هي، ليكشف لنا أن الحالة الاجتماعية والتطلعات الجماهيرية، لابد من وضع تصورا خاصّاً ، لما ينبغي أن يكون في وضع نهجاً علمياً، بعيدًا عن الواقع الإجتماعي المتخبط وآثارها الاقتصادية والثقافية على الإنسان العربي في عصرنا الحالي٠
د عمار علي حسن رؤيته واضحة تتسم بالعمق، ووضوح الفكرة وصدقها٠ 
حاوره ٠٠
سليم النجار٠


-هل التشدد حكر على الإسلام كما يشاع في الفكر والإعلام؟ 
التشدد والغلو والتطرف موجود عند أتباع كل الأديان والمعتقدات، بل يمتد إلى الأيديولوجيات الدينية والعلمانية، وطالما بقي الغلو واقفا عند حدود الفكر، لا تثار حوله مشكلات عند أهل الفكر المرن المتجدد النازع إلى الحرية، فلا تثار مشكلات ومعضلات، أما حين يؤدي الغلو إلى محاولة إجبار الآخرين على الامتثال له أو اعتناقه تبدأ المشكلة، بشكل أقل حين نكون بصدد عنف رمزي ولفظي، وشكل أفدح حين يحمل المتطرفون السلاح، ويحاولون تغيير الآخرين بالقوة، وأكثر فداحة حين يقصدون السلطة السياسية نفسها.
 وقد تضاعف الأمر مع عولمة الحركة الإٍسلامية الراديكالية والمسلحة، في إطار استهدافها لما أسمته "العدو البعيد"، والذي جاء لاحقا على اتخاذ الولايات المتحدة هذه الحركة عدوا، في إطار بحثها الاستراتيجي عن أي عدو، إثر سقوط الاتحاد السوفيتي، الذي ساعدت الحركة نفسها الغرب الرأسمالي في إسقاطه بمستنقع أفغانستان. وتطور الأمر إلى أن صار الإٍسلام نفسه عدوا عند اليمين المسيحي الصهيوني، كما بلور هذا بوضوح برنارد لويس، ومن ثم صار الضوء الأكبر مسلطا على "التطرف الإسلامي"، لاسيما أنه هو الذي أنتج حركات عنيفة، حملت السلاح، ليس في وجه الغرب وحده، إنما قبله، وبشكل أعمق وأوسع، ضد الأنظمة والمجتمعات العربية والإسلامية. 
-إلى أي مدى المفكر العربي القدرة على امتلاك فلسفة التحاور مع الآخر؟
علينا هنا أن نفرق بين المواطن العربي العادي، أو ما يسميهم علماء الاجتماع "عموم الناس" أو "القاعدة الشعبية" وبين المفكر، باعتباره منتميا إلى النخبة أو الصفوة. وداخل صفوف المفكرين أنفسهم علينا أن نفرق أيضا بين المنحازين إلى الحقيقة ويتوسلون بطرائق العلم ومناهجه واقتراباته في سبيل بلوغها، وبين أولئك المستسلمين لأيديولوجيات صماء، أو من يعملون لحساب تنظيمات سياسية لها أهدافها، وأولها حيازة السلطة السياسية، أو لحساب مسار اقتصادي رأسمالي له القدرة على أن يدفع لهم لقاء تفكيرهم الذي يرسخ وجود الرأسمالية ومصالحها. 
بين هؤلاء يكون المفكر المنحاز للحقيقة هو من يملك عقلا متفتحا، وصدرا رحبا، يجعله يستملح الحوار، ويمتلك شروطه، ويصدع لمقتضياته، لأنه يعتبره أحد وسائل تفكيره المهم. 
مثل هذا المفكر لا ينظر إلى الآخر كعدو بالضرورة، إنما صاحب وجهة نظر أخرى، وعليه قبوله في سياق إيمانه بالتعددية، وإدراكه أن الحقيقة حقائق، ولا يوجد من يحتكرها، وهذا يعينه بالطبع على إقامة حوار بناء.
 ـ هل صحيح أن فلسفة هيجل للتاريخ كانت أكثر دقة وعمقا؟
عند هيجل لا نبحث عن العمق والدقة في شمولهما، إنما في اتجاه محدد، وهو الذي يقيم وزنا للدولة، بمعناها الوطني أو القومي الذي بلغته في القرن السابع عشر، ويعمل من أجلها، ويجند كل العناصر والعوامل الرافعة لها، ويهش عنها كل الفلسفات التي تناهضها، وعلى رأسها الفوضوية أو اللاتسلطية، ويضع في يدها القدر الأكبر من الشرعية والمشروعية والتخصيص السلطوي للقيم، وحتى احتكار العنف.
ربما تبدو فلسفة هيجل واقعية، فالدولة هي أوسع مراحل التنظيم، وفي النظام قوة، ولذا فهي التي تسود وتتمكن عبر التاريخ الحديث، ومن ثم فإن مثل هذه الفلسفة مفيدة إلى حد كبير لمن نطلق عليهم "الدولتية".
ـ  الخطاب السياسي المعاصر هل هو خطاب حرب؟
لم يمت خطاب الحرب أبدا، طالما أن الصراع قائم بين الغرب والشرق، وبين الطبقات الاجتماعية، وبين الأعراق والمذهبيات، وعلى الحكم في البلاد التي لم تستقر فيها بعد قواعد تداول السلطة السياسية سلميا. 
لكن هذا الخطاب لا ينفرد بالساحة، فهناك خطابات موازية تسعى إلى الحوار والتفاهم والتسامح، سواء بين الجماعات والدول، أو بين الثقافات والحضارات. 
في وسط هذا التجاذب تزيد سطوة خطاب الحرب في أوقات المواجهة المسلحة، وانفلات العنف الرمزي واللفظي والمادي، وتقل في أوقات السلم والهدوء، الذي لا يعدو، للأسف الشديد، أن يكون هدنة بين حربين.
‐ ماذا تقول أن " الحداثة" العربية بدأت مع الإستعمار؟
هذه وجهة نظر استشراقية إلى حد كبير، وهي أحد نتاجات "المركزية الأوروبية"، فإن فتحنا القوس إلى أبعد، سنجد أن هذه الحداثة في الفكر والأدب وفي الاجتماع الإنساني كان لها وجود نسبي خلال القرون الوسطى للشرق في وقت كان الغرب لا يزال قبائل متطاحنة، ومجتمعات ترسف تحت أغلال الإقطاع والكنيسة والسلطة الزمنية للملوك، الذين ادعوا أنهم يملكون "الحق الإلهي".
وأتذكر في هذا المقام المؤرخة المصرية الكبيرة د. نيللي حنا، التي أثبتت باقتدار، أن رأس الشرق لم يكن فارغًا، حين جاءت إليه مطبعة نابليون بونابرت، كما يقول مستشرقون، ويردد قولهم غافلون أو متعجلون أو متواطئون من بني جلدتنا.
ـ  ما هي إشكالية لمصطلح "التاريخ" في ثقافتنا العربية؟
لهذا المصطلح عدة إشكاليات، أولها يتعلق بالميل إلى الإقامة في التاريخ، فكثير منا متسلفون بهذا المعنى، أو تلك الكيفية، نقدس الماضي، ونضفي على شخوصه ووقائعه قداسة أو أسطرة مصطنعة. وثانيها يتعلق في اقتصار التاريخ الذي يتم تدريسه لتلاميذنا وطلابنا على أهل الحكم، ومن حولهم من علية القوم، كما نرى في الحوليات التاريخية. وثالثها أن أغلب التأريخ لدينا يقتصر على أفعال البشر عبر الزمن، بينما في الغرب اتسعت هذه المدرسة لتتبع تاريخ الكائنات الأخرى، حيوانات ونباتات، بل وتاريخ الأشياء، مثلما نقرأ في كتب عن تاريخ البحر، وتاريخ الملح، وتاريخ العلم، وتاريخ الفن والأدب، وتاريخ الأديان .. الخ.
في الفترة الأخيرة بدأت المدرسة التاريخية العربية تتمرد على الأطر التقليدية، فرأينا أطروحات جامعية وكتب عن تاريخ الطبقات الشعبية وبعض الأشياء مثل تاريخ الأزياء، وتاريخ الغناء والطرب، وتاريخ الموسيقى .. الخ. وإذا راجعنا، على سبيل المثال لا الحصر، سلسلة "تاريخ المصريين" التي أصدرت منها الهيئة العامة للكتاب في مصر نحو ثلاثمائة مؤلف سنجد صدى لهذا التمرد، الذي تمكن، وصار أكثر إقناعا.
ـ  العقل ماذا يمثل في ثقافتنا العربية الراهنة؟ 
هو الفريضة الغائبة والواجبة، حيث تسود الخرافة والارتجال والأسطرة، رغم أن العقلانية كان لها مسار راسخ في تاريخنا الفكري عند فلاسفة المسلمين والمتكلمين وبعض الفقهاء، لكن باب الاجتهاد انقطع، وصرنا الآن نبحث عن العقلانية، وكأنها إبرة بين كومة قش عالية.
‐ـ كيف تعلق على المقولة التالية : ليست ثمة سؤال خارج العقل؟
أوافقها حين يتعلق الأمر بالسؤال، وأفتحه ليكون واجبا في كل شيء، حتى الاعتقاد، بل اعتبره طريقا مهما للوصول إلى الله، ومهم أيضا لإحراز التقدم الإنساني. لكنني أدرك أن الحياة البشرية ليست عقلا خالصا، فهناك الكثير مما يقع خارج العقل، لكنه مفيد للإنسان، بعضه يتعلق بالغيب المربوط بالاعتقاد والتسليم، وبعضه يرتبط بدور الفن والأساطير وحتى الخرافات في إعطاء الحياة بعض مذاق، هي في حاجة إليه.
 المهم ألا تكون هناك قيود أو سدود أمام طرح الأسئلة في كل شيء، وأي شيء، وأي أمر، فبالسؤال الذي يبحث صاحبه عن إجابة، يحدث التراكم المعرفي، ومقاومة كل أسباب الركود والقعود التي تشد إلى الوراء.
ـ  ماذا تعني لك فلسطين؟
قضية مركزية، لأني عربي، وهي عند العرب كذلك، وقضية إنسانية لكل من يرفض الاحتلال والعنصرية والاستعباد، ويروم التحرر، ويبحث عن العدل والرحمة.
ـ اللغة العربية المعاصرة لغة حضارة أم لغة استكانة؟
هي لغة قوية، بمفرداتها وتراكيبها ومجازاتها وربطها المعاني بالأصوات، لكنها في حاجة إلى تجديد دائم لتواكب التطور الاجتماعي والعلمي. كانت العربية لغة حضارة في القرون الوسطى ينقل عنها الجميع، وتخضع لها حضارات في البلاد غير العربية التي فتحها المسلمون، لكننا أهملنا تطويرها، وران عليها تخلفنا الحضاري الراهن، فاستكانت. لكن سكونها وركودها ليس قدرا محتوما، فهي تملك من المقومات ما يجعل تفجيرها وتطويرها لتسهم في صناعة العالم المعاصر أمرا ممكنا.