نبض البلد - د. عامر بني عامر
أعلن حزبا إرادة وتقدّم اندماجهما في كيان واحد حمل اسم حزب مبادرة، خطوة وُصفت بأنها تأسيسية في مسار بناء حياة حزبية جديدة، تعكس نضجًا سياسيًا ورغبة في تجاوز التشرذم، غير أن السؤال الأهم يظل مطروحًا: هل يقود «مبادرة» فعلًا زمام المبادرة، أم يكتفي بكونه عنوانًا جديدًا يُضاف إلى مشهد حزبي ما زالم لم يقدم المأمول منه؟
اسم «مبادرة» ليس غريبًا على ذاكرتنا البرلمانية؛ فقد عرفت قبة البرلمان كتلة حملت الاسم ذاته، وتميّزت آنذاك ببرنامج مكتوب ومتابعة جادة مع الوزراء، في تجربة نادرة وسط برلمان غلبت عليه الفردية وتبدّد البرامج، عودة الاسم اليوم بحلّة حزبية تحمل رمزية واضحة، لكنها تضع في الوقت ذاته مسؤولية مضاعفة على الحزب الجديد: أن يبرهن أن المسألة أبعد من تغيير الأسماء، وأنه قادر على تحويل المبادرة إلى وزن سياسي ملموس.
المشكلة التي واجهتها الأحزاب الأردنية طوال العقود الماضية لم تكن في قلة الأسماء أو كثرتها، بل في غياب الممارسة المؤسسية الحقيقية، المواطن الأردني يريد أن يرى حزبًا يلامس همومه اليومية، يتابع ملفات الإصلاح مع الحكومة، يبني مواقف واضحة في البرلمان، ويقدّم حلولًا عملية بدل الاكتفاء بالشعارات، هذه هي معركة الثقة التي لم تكسبها الأحزاب بعد، وهي مسؤولية جسيمة على «مبادرة» وسائر الكتل الحزبية.
على سبيل المثال وليس الحصر هل سنرى من مبادرة اليوم خطة ظل للتحديث الاقتصادي والإداري والسياسي، تتابع من خلالهم تنفيذ الحكومة لخططها بهدف المراقبة والتحسين والتجويد، وهل سنرى مبادرة من مبادرة لمتابعة المشاريع الوطنية الكبرى مثل الناقل الوطني وغيره من المشاريع، هل سنرى خطط تعرض للقواعد الانتخابية حول جذب الاستثمار الخارجي والداخلي، أم أننا سنعاود مكاننا في توجيه أسئلة والاكتفاء بإجابات حكومية، ونبقى ننتظر الأداء الحكومي لمراقبة بدلاً من أن نقود مبادرات استباقية لتوجيه الأداء الحكومي.
البرلمان المقبل مرشّح لأن يضم أربع كتل حزبية رئيسية تشكّل ما يقارب 110 مقاعد من أصل 138، مشهد يوحي بأننا أمام بداية تحول من الفردية إلى العمل الجماعي، ومن المقاعد المبعثرة إلى الكتل، لكن الحقيقة أن الأرقام وحدها لا تكفي؛ فالتحدي الأكبر أن تتحوّل هذه الكتل إلى أحزاب فاعلة، تُنتج برامج متكاملة وتفرض حضورها في معادلة التشريع والرقابة.
لقد انقضت سنة التجريب، وكان لا بد منها لاختبار البيئة الحزبية الجديدة، أما اليوم، فإن اللحظة تفرض الانتقال إلى مرحلة النضوج: حيث يصبح على الأحزاب أن تتحمّل مسؤولياتها الكاملة في تقديم برامج تفصيلية، والانخراط في نقاش وطني جاد حول الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، من دون ذلك، ستبقى الثقة بعيدة، وستظل أزمة الحياة الحزبية تراوح مكانها.
السؤال الآن، وقد ولدت «مبادرة» في محطة فارقة من مسارنا السياسي: هل تنجح الأحزاب في وضع الأولويات الوطنية في صلب برامجها، لتقود الناس إلى المستقبل، أم تظل عالقة في لعبة الشعارات والأرقام