نبض البلد - ولاء فخري العطابي
خلال مشاركتها في مؤتمر سيغلو بالمكسيك، جسدت جلالة الملكة رانيا العبدالله معنى الحب الحقيقي والانتماء العميق للأردن، وأظهرت فلسفة قيادية تعتمد على الإنسان في صميمها، وعندما طُرح عليها سؤال بسيط لكنه كبير في المغزى: "حديثنا عن بلدك، ما هو أول شيء يتبادر إلى ذهنك عندما تفكرين في الأردن؟”، جاءت إجابتها مليئة بالصدق والعاطفة:
"يقولون أن الوطن هو حيث ما يكون القلب، وبالنسبة لي، الأردن هو وطني وقلبي. أحب كل شبر فيه، وفخورة جدًا بانتمائي إليه.”
هذه الكلمات تعكس شعور الملكة العميق بأن الوطن ليس مجرد مساحة جغرافية، بل هو الناس والقيم والتجارب اليومية التي تشكل هوية الأمة، فحين تقول "الأردن هو وطني وقلبي”، فهي تؤكد أن الولاء للأرض مرتبط بالحب الصادق للشعب، وأن الانتماء يبدأ من احترام وتقدير كل فرد يعيش على هذه الأرض.
وليس غريبًا أن تؤكد جلالتها على أهمية الناس عند الحديث عن الزوار الذين يأتون إلى الأردن، فهي لاحظت أن الزوار غالبًا يذكرون المواقع السياحية، التاريخ، الطقس والطعام، لكن أكثر ما يعلق في ذهنهم هو الناس وكرم ضيافتهم الذي له سمعة أسطورية، بهذه الكلمات تعكس الملكة فلسفة راسخة: أن الناس هم جوهر الوطن، وأن تقدير الإنسان هو أساس كل تقدم وازدهار.
إن ما جعل حديث الملكة مميزًا هو الجمع بين الحب العاطفي للأرض والحب العملي للإنسان، فهي ترى شعبها شركاء حقيقيين في مسيرة الوطن، وليسوا مجرد متلقين للسياسات والخدمات، وهذا يظهر بوضوح حين تتحدث عن كرم الأردنيين، مثل تقديم المساعدة للغريب الترحيب بالزائر والحفاظ على قيم الضيافة والأمانة وهي أمثلة يومية تجسد صورة الأردن الحقيقية في أعين العالم.
ضحكتها الواثقة ونبرة صوتها الحنونة أثناء حديثها، تعكسان فلسفة عميقة: أن الثقة بالشعب والحب له هما أساس القيادة الرشيدة، وعندما تقول "أحب كل شبر فيه”، فهي تتحدث عن كل فرد في المجتمع عن كل أسرة وكل قصة كرامة يومية تُظهر أصالة الشعب الأردني وقيمه النبيلة.
حديث الملكة رانيا في هذا الحوار ليس مجرد كلمات عابرة، بل درس في القيادة الإنسانية يوضح أن الاعتزاز بالوطن لا يكتمل إلا بالاعتزاز بالناس الذين يسكنونه، وأن الحب الحقيقي للأرض يُقاس بالوفاء لمن فيها، ومن خلال كلماتها ندرك أن الأردن بثرائه الثقافي وتاريخه العريق يصبح أجمل وأكثر إشعاعًا بفضل شعبه، وأن الاستثمار الحقيقي في الوطن يبدأ بالاستثمار في الإنسان.
وخلال حديثها في المؤتمر، بدت صورة الملكة رانيا متكاملة؛ فهي التي تقول إن الأردن هو قلبها وموطنها حيث تعكس حبها العميق لأرضها وشعبها وترى في كرم الأردنيين جوهر الهوية الوطنية، وفي الوقت نفسه لم تغفل عن آلام الشعوب الأخرى، فغزة بالنسبة لها ليست مجرد خبر في نشرات الأخبار، بل مرآة تُرينا بوضوح أخلاقي ما الذي يعنيه أن نكون إنسانيين بحق.
الملكة رانيا جمعت بين اعتزازها بالوطن وبين رسالتها للعالم: أن الكرامة لا تتجزأ، وأن الدفاع عن الإنسان لا يتوقف عند حدود الجغرافيا، فمن قلب الأردن الذي تحبه، ارتفعت كلمتها لتقول إن ما يجري في غزة جرحٌ في الضمير العالمي، وأن التكنولوجيا أو التنمية أو أي تقدم مادي لا يساوي شيئًا إذا عجزنا عن حماية الأطفال من الجوع، أو المستشفيات من القصف، أو الناس من الظلم.
كما وتأتي كلمات الملكة رانيا لتذكرنا بأن التكنولوجيا وحدها لا ترتقي بنا، إن لم تُدَعَم بالقيم الإنسانية والوفاء للإنسان، فهي لا تطالب برفض التقدم، بل بدعوة للنظر داخليًا: كيف نطبّق هذه التكنولوجيا؟ وهل تخدم الإنسان قبل أن تحقق الأرقام؟ وأنّ التكنولوجيا بلا قلب ما هي إلا وسيلة يمكنها أن تقودنا بعيدًا لكن ليس " نحو الأفضل”، لذا لنتعلم من هذا وتصبح مواقفنا اليومية—في تعاملنا، وقراراتنا، وفي استخدامنا للتكنولوجيا—انعكاسًا للوفاء والتعاطف الحقيقي، حماية لضميرنا وللبشر قبل أي شيء آخر.
في النهاية، يعلمنا حديث جلالة الملكة رانيا أن أعظم قيم الوطن تكمن في الإنسان نفسه، وفي وفاء كل شخص لأخيه الإنسان، فالإيمان بالصدق والعطاء، والاعتزاز بالآخرين، هي التي تصنع مجتمعًا متماسكًا ومتينًّا، فمن قلب العرش الأردني، تُظهر لنا الملكة رانيا أن القيادة الحقيقية تبدأ بالثقة بالناس، وأن كل تصرف كريم، وكل لفتة صادقة، تصنع فرقًا حقيقيًا في حياة من حولنا.