د. خالد العاص
يشهد الأردن اليوم مرحلة حاسمة في التحول الرقمي، حيث أصبحت البيانات والبنى التحتية الرقمية جزءًا لا يتجزأ من الأمن الوطني والاستقرار الاقتصادي، ومع ازدياد الاعتماد على الخدمات الإلكترونية، لم يعد التحول الرقمي رفاهية، بل ضرورة استراتيجية لضمان استدامة الخدمات العامة وحماية المواطنين والمؤسسات من التهديدات السيبرانية، التي لم تعد محدودة بالمجال الحكومي فقط، بل تشمل القطاع المالي، التعليمي، الصحي، وكل المنصات الرقمية التي تمس حياة المواطن اليومية.
شهد الأردن خلال السنوات الأخيرة خطوات ملموسة نحو الرقمنة، من اعتماد الحكومة الإلكترونية، وتطوير البنية التحتية للاتصالات، وإنشاء مراكز البيانات الوطنية، وصولًا إلى مشاريع المدن الذكية، وتعكس هذه الجهود رؤية طموحة لمستقبل رقمي أكثر كفاءة وشفافية، إلا أن الطريق لا يخلو من المخاطر؛ فالهجمات الإلكترونية، وسرقة البيانات، واستغلال الثغرات الرقمية لأغراض سياسية أو اقتصادية، تشكل تحديًا حقيقيًا يستوجب خطة أمنية متكاملة.
في هذا الإطار، يمثل المركز الوطني للأمن السيبراني القلب النابض للجهود الأردنية في حماية البنية الرقمية الوطنية، حيث يجمع المركز بين التخطيط الاستراتيجي والتنسيق الفعّال بين الجهات الحكومية والخاصة، ويقدم برامج تدريبية متقدمة، ويعمل على تطوير الأطر التشريعية المنظمة للأمن الرقمي، وبذلك، لا يقتصر دوره على الرقابة والتنظيم، بل يمتد إلى بناء ثقافة وطنية للأمن السيبراني، وتعزيز الثقة الرقمية لدى المواطنين والمؤسسات.
الأمن الرقمي في الأردن لا يقتصر على حماية البيانات الحكومية أو المؤسسات المالية، بل يمتد ليشمل المواطن العادي؛ فكل حساب بنكي رقمي، وكل منصة تعليمية، وكل نظام ذكي للمراقبة، قد يكون هدفًا للقرصنة، ومن هنا، يظهر التحدي الأكبر: كيف يمكن حماية المواطنين وضمان سيادة البيانات، مع تسريع وتيرة التحول الرقمي لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟
على المستوى الاستراتيجي، يتطلب الأمن الرقمي توازنًا دقيقًا بين الحرية والرقابة، بين الخصوصية ومكافحة الجرائم الرقمية، وبين الانفتاح التكنولوجي والاستقلال السيبراني. والأردن يمتلك فرصة ذهبية ليكون نموذجًا إقليميًا في إدارة التحول الرقمي، لكن ذلك لن يتحقق إلا من خلال سياسات واضحة، تشريعات صارمة، وتعاون حقيقي بين القطاع العام والخاص، مع تعزيز دور المركز الوطني للأمن السيبراني كخط الدفاع الأول.
أمثلة حية من المنطقة تشير إلى أن الهجمات على البنوك أو منصات الحكومة الإلكترونية قد تؤدي إلى خسائر مالية ضخمة، وفقدان الثقة في الخدمات الرقمية، وحتى تهديد الاستقرار الاجتماعي. ولذلك، فإن التدريب المستمر للكوادر، محاكاة الهجمات السيبرانية، وتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي للكشف المبكر عن التهديدات يجب أن تكون ضمن أولويات الدولة.
في النهاية، يقف الأردن أمام اختبار حقيقي: هل سيتمكن من تحويل التحول التكنولوجي إلى أداة للنهضة والشفافية، أم سيواجه تحديات رقمية واختراقات محتملة؟ النجاح يتطلب التخطيط الاستراتيجي طويل المدى، وتعزيز القدرات الوطنية في الأمن الرقمي، لضمان أن يكون المستقبل الرقمي الأردني آمناً، مزدهراً، ومستداماً، ويصبح التحول الرقمي بالفعل أداة تمكين للمواطن والمجتمع، لا مجرد مشروع تقني.