نبض البلد - أوهام نتنياهو التوسعية وأرض الأردن عصيّة على المنال
ولاء فخري العطابي
لم يكن تصريح بنيامين نتنياهو الأخير حول ما يُعرف بـ "مشروع إسرائيل الكبرى” سوى انعكاسٍ لعنجهيةٍ سياسية وشخصية غير سوية، تُحاول إحياء أوهام توسعيّة بائدة لا تمُت إلى واقع إقامة دولة حديثة أو سلمية بصلة، ففي مقابلة إعلامية حديثة، أعلن نتنياهو أنه يعيش "مهمة تاريخية وروحية” مرتبطة برؤية توسعية تمتد إلى أراضٍ في فلسطين المحتلة، وربما أجزاء من دول عربية من بينها الأردن ومصر، إلا أن هذا الحلم الواهم يظل بعيدًا عن أي إمكانية للتطبيق، خاصة حين يتعلق الأمر بالأرض الأردنية التي كانت وستبقى عصيّة على أي اعتداء أو انتقاص من سيادتها.
الأردن، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، أثبت عبر العقود ثبات موقفه ووضوح رؤيته تجاه قضايا الأمة العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. فقد ظلّ الموقف الأردني راسخًا في الدفاع عن الحق الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ورفض أي مشاريع توسعية أو مخططات تمس الهوية والحقوق العربية.
وإذا كان نتنياهو يحاول تسويق نفسه أمام العالم على أنه لا يمنع الغذاء عن الشعب الفلسطيني، فإن الواقع المرير يكذّب ادعاءاته، فالمأساة التي يعيشها الفلسطينيون اليوم ليست جوعًا بالخبز فقط، بل جوعًا بالكرامة والحرية، وموتًا بطيئًا تحت آلة القهر والذل والإبادة الجماعية التي تُمارس بلا رحمة، وآخر ما كشف الوجه الحقيقي لهذه السياسات كان الاستهداف المتكرر للصحفيين، في جريمة مكتملة الأركان ضد حرية الكلمة والحقيقة، ما يعكس طبيعة كيان لا يعرف إلا لغة الدم، ويجعل من القتل والتدمير سياسة دولة، هذه الحقائق وحدها كفيلة بأن تدفع المجتمع الدولي، والعالم العربي خاصة، إلى الوقوف وقفة حاسمة أمام هذه العنجهية التي تهدد السلام والأمن الإقليميين.
إن تصريحات نتنياهو لا تُهدد فقط فلسطين وشعبها، بل تمثل تحديًا صارخًا لمبادئ السيادة الوطنية، وانتهاكًا واضحًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، الذي يؤكد على احترام الحدود المعترف بها دوليًا وعدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، كما أن هذه التصريحات تعكس توجهًا خطيرًا يهدد أمن واستقرار المنطقة بأسرها، ويقوّض أي جهود حقيقية لإحلال السلام العادل والشامل.
إن وحدة الموقف العربي اليوم لم تعد خيارًا، بل ضرورة وجودية لمواجهة محاولات فرض الأمر الواقع وتغيير الحقائق على الأرض، كما أن دعم الأردن في مواقفه الثابتة هو دعم للسلام الحقيقي، ودعم للقضية الفلسطينية التي ستبقى جوهر الصراع العربي – الإسرائيلي حتى نيل الشعب الفلسطيني كامل حقوقه المشروعة.
وستبقى الأرض الأردنية خطًا أحمرًا وستظل إرادة الشعب الأردني وقيادته عصيّة على الانكسار أمام أوهام لا تعيش إلا في مخيلة من يروّج لها، أما فلسطين، فستظل قضية الأمة الأولى وحاضرة في وجدان كل عربي شريف، مهما حاولت المشاريع الواهية أن تزيّف التاريخ أو تسلب الحق.