نبض البلد - بقلم : محمد نمر العوايشة
في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة الحياة وتزدحم الطرقات بالمركبات، تبقى الأرواح معلّقة بخيطٍ رفيع من الانضباط والوعي، يخترقه أحياناً جهل المتهورين، ويُرمَّم فقط بحضور أولئك الذين نذروا أنفسهم لحمايتنا، إنهم فرسان النطاق الأبيض.
رجال السير، ضباطًا وضباط صفٍ وأفراداً، لا يخرجون إلى الميدان بحثًا عن مخالفة، بل يحملون على عاتقهم مهمة سامية و هي حماية الأرواح، يقفون على المفارق، تحت شمسٍ حارقة أو بردٍ قارس، لا ليحصوا مخالفات، بل ليُعيدوا للطريق انسيابه حين يصبح مكتظاً بالمركبات، ويضبطوا الإيقاع حين تعلو فوضى الشوارع.
المخالفة ليست جباية، بل وقاية، كم هو مؤلم أن يُساء فهمهم، وأن تُختزل مهماتهم النبيلة تحت وصف "الجباية”! فالحقيقة الساطعة أن المخالفة ليست هدفاً بحدّ ذاتها، بل وسيلة ردع لمن لا يردعه الضمير، من يلتزم لا يُخالف، ومن يُخالف يتحمل نتيجة سلوكه، احتراماً للآخرين قبل نفسه، فلو لم يكن في الطريق متهورٌ يتجاوز، أو متغافلٌ عن الإشارة، لما احتجنا إلى مخالفة أصلاً.
إن الالتزام ليس وجهة نظر، الالتزام بالقانون ليس خياراً، بل ضرورة لضمان حياةٍ آمنة لكل مستخدمي الطريق، ومنطق "أنا أدفع فافعل ما أشاء” هو منطق خطير، يقلب ميزان العدالة، ويضع أرواحنا رهينة لهوى البعض، القانون لا يُحاسب الناس بناءً على نواياهم، بل على أفعالهم، ولا يعترف بالاستثناءات إلا إذا كانت للحالات الإنسانية والطارئة، وهي معروفة ومحددة.
تحية إلى نشامى النطاق الأبيض، إلى كل رجل مرور يقف لساعات طويلة، يراقب، يوجه، يُخالف عند الضرورة، ويُسامح عند الحاجّة، إليك التحية يا حارس الأرواح المجهول، إليك التحية يا من تُطفئ نار السرعة بجسارة، وتُعيد للحارات انسيابها، وتردع من يرى القانون عائقًا لا نعمة.
تحية لضباط و ضباط الصف وأفراد السير الذين يحمون أطفالنا وهم يعبرون الشارع، ويحموننا من رعونة سائقٍ يرى في الإشارة الحمراء لونًا لا يستحق التوقف، تحية لكل من آمن أن هيبة الدولة تبدأ من احترام إشاراتها، وأن القانون هو خط الدفاع الأول عن الإنسان، لا سلاح ضده.
وهنا دعوة للمجتمع بأن نشاركهم المهمة، ليس رجال السير وحدهم من عليهم حمل المسؤولية، بل نحن شركاؤهم في معركة السلامة المرورية، التزامك، توقّفك، إعطاؤك أولوية المرور، تقيدك بالسرعة، كلها أدوات تعينهم وتقلل من المخالفات والحوادث والمآسي.
و في الختام اقول، فرسان النطاق الأبيض لا يحتاجون منا إلا أن نفهمهم، أن نُقدّر صمتهم، أن نعرف أن مخالفتهم ليست عداءً، بل صرخة حماية ، فهم لم يُكلفوا بجباية، بل اختيروا لحراسة الأرواح… أرواحنا من جهل المتهورين .
فلتكن تحيتنا لهم في كل صباح: بوركت سواعدكم، وحُفظت أرواحنا بأعينكم الساهرة على امن الطرقات و مرتاديها و سالكيها .
بقلم : محمد نمر العوايشة .