نبض البلد - غزة تحت النار وخطاب حماس تحت المجهر: دعمٌ عربي يتجاوز الحركة ولا يتجاوز الكارثة
محسن الشوبكي
منذ اندلاع حرب الإبادة الصهيونية على غزة، لم تتوقف العمليات العسكرية فعلياً، بل تحوّلت إلى نمط من الاستنزاف المستمر، حيث تتداخل المعاناة الإنسانية مع تغييرات سياسية داخلية وخارجية بالغة التعقيد.
في هذا السياق، تصاعد خطاب حركة حماس ليأخذ بعداً أكثر حدة، يحمل في ثناياه رسائل لاذعة تجاه بعض الدول العربية، التي قدمت دعماً حسب استطاعتها لغزة على المستوى الإغاثي والإنساني، نظراً لحجم الكارثة، عبر مخاطبة شعوب تلك الدول واستثارتها.
اللافت في هذا الخطاب أنه يُلامس مستويات رمزية وأخلاقية تتجاوز مجرد التعبير عن الغضب، ليصبح أداة تعبئة سياسية وإعادة تموضع إقليمي. لكن في المقابل، فإن بعض الإشارات السلبية من قبل حماس تجاه الدول الداعمة، وإن جاءت تعبيراً عن نقد لما تعتبره قصوراً في المواقف السياسية، لا يُتوقع أن تؤدي إلى تعديل هذه الدول لموقفها بما يخدم الحركة. بل من المرجّح، وفق معطيات المشهد، أن تواصل هذه الدول تقديم المساعدات لغزة وفق سيناريوهات لا تعزز شعبية حماس أو مكانتها السياسية، بل تُوظَّف كمسارات دعم إنساني مستقل، مع التذكير أن هذه الدول تدعم بشكل رسمي وواضح السلطة الفلسطينية، ولا تقيم علاقات سياسية مع تنظيمات فلسطينية متفرقة.
وعلى الرغم من تصاعد خطاب حماس تجاه بعض الدول العربية، إلا أن تلك الدول ما تزال تواصل دعمها الإغاثي لغزة ضمن مسارات إنسانية تفصلها بعناية عن أي ارتباط تنظيمي أو سياسي بالحركة. ويبدو أن هذا الفصل نابع من حرص إقليمي على ألا يتحول الدعم إلى شرعية سياسية لحماس، خصوصاً في ظل دعم هذه الدول المعلن للسلطة الفلسطينية.
هذه المقاربة تعكس إدراكاً بأن الكارثة في غزة تستحق استجابة إنسانية مستقلة، لكنها في الوقت ذاته تقيّد قدرة الحركة على استثمار هذا الدعم في تعزيز حضورها السياسي، مما يدفعها إلى إعادة التفكير في خطابها وأدوات التأثير لديها.
وفي هذا السياق، كان من الأجدى لحركة حماس أن تبتعد عن المواقف الخلافية التي تُربك المشهد وتُضعف فرص التقاطع السياسي، وأن تركّز على بناء سردية موحّدة، حتى وإن بدت هشّة بفعل التدخل الأميركي المتغلغل في تفاصيل الأزمة.
المطلوب اليوم خطاب إنساني وإعلامي دولي أكثر فاعلية، يُعيد توجيه التعاطف العالمي نحو مأساة غزة، بعيداً عن الاصطفافات السياسية التي تُفقد غزة الزخم الأخلاقي المطلوب في هذه اللحظة الحرجة.
في ضوء هذه المعادلة الصعبة، تبدو حركة حماس مطالبة أكثر من أي وقت مضى بإعادة صياغة خطابها السياسي والإعلامي بطريقة توازن بين قوة المقاومة وحساسية الاصطفاف العربي والدولي. المطلوب هو نهج تواصلي يعيد الاعتبار لغزة كقضية إنسانية وأخلاقية عالمية، دون أن يتورط في تجاذبات سياسية تُفقدها الدعم الرمزي والمعنوي. إن الحفاظ على المساحة الرمزية يتطلب خطابًا ذكيا يوقظ الضمير الإنساني دون أن يصطدم صراحةً بحسابات الدول، ويُعيد تعريف المقاومة كثقافة حياة لا مجرد رد فعل على الموت.