نبض البلد - مأمون المساد
في عالمٍ يضجّ بالصخب، وتضيع فيه البوصلة بين الشعارات والمصالح، ينهض صوتٌ عربيّ هادئ، راسخ، لا يُجيد الضجيج، لكنه إذا تكلّم، أُصغي إليه باحترام.
ذلك هو صوت جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي لا يحتاج إلى البراهين كي يُسمَع، ولا إلى استعراض كي يُحسب له الحساب، بل يكفيه ثبات الموقف، ووضوح الرؤية، وصدق الانتماء ، صوته ليس عالياً، بل يتردد صدى كلماته: "السلام لا يُشترى بالقوة، ولا الأمن يُبنى بالاحتلال". كلماتٌ بسيطة، لكنها تهزّ معادلات صمّاء، وتحرّك ضمائر ما زالت تسمع صوت العدل.
في زمن تزداد فيه الاستقطابات والضجيج التوترات والحروب ، يبقى الملك عبدالله الثاني مثالاً للقائد الذي يُجيد قول ما يجب، في اللحظة التي يجب، بالطريقة التي تُحدث الأثر ليكون جلالته الصوت المسموع في مفاصل هامة من تاريخ ومستقبل المنطقة و يحظى بالاهتمام والجدية في المحافل الدولية، وأن كلماته، خصوصاً فيما يخص فلسطين والقدس وسوريا ، تُتناقل وتؤثر في توجهات صناع القرار.
ولجلالة الملك في جولة زيارته الاخيرة واتصالاته في واشنطن، باريس، برلين، أوتاوا ، رؤية استراتيجية واضحة، توازن بين المبدأ والمصلحة، ما يجعل مواقفه تُحسب في المعادلات السياسية، وتُحترم حتى من الأطراف التي تختلف معه ، فهو القائد العربي الوحيد الذي يُخاطب الغرب بلغة يفهمها، ويُدافع عن قضايا العرب بمصداقية وهدوء، بعيداً عن الشعارات، ولهذا يجد آذاناً صاغية ومواقف داعمة ، ويواصل جلالة الملك عبد الله الثاني تعزيز الحضور الأردني على الساحة الدولية، مُكرّساً دوره كقائد يحظى باحترام واسع ويملك تأثيراً متنامياً في مواقف الدول التي يزورها، ففي زياراته الأخيرة إلى ألمانيا، فرنسا، وكندا، بدا واضحاً مدى تقدير قادة تلك الدول لرؤية الملك السياسية، وثباته على مواقف مبدئية تنادي بحل الدولتين، وضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وقد لمسنا ذلك من خلال تحوّلات في لهجة تلك العواصم، وتصريحاتها التي باتت أكثر وضوحاً في دعم الحقوق الفلسطينية، خصوصاً في ظل كارثة غزة المستمرة.
كما لم يغب الملف السوري عن لقاءات جلالة الملك، حيث شدد مراراً على أهمية الحفاظ على وحدة سوريا، وعودة الأمن والاستقرار إليها، بالتوازي مع معالجة أزمات اللجوء والمخدرات التي تؤثر مباشرة على الأمن الوطني الأردني.
ومن الشهادات والمواقف التي جاءت في الزيارة ما جاء في مؤتمر صحفي مشترك عُقد في برلين امس أشاد المستشار الألماني فريدريش ميرتس بالأردن وجلالة الملك عبدالله الثاني، مؤكدًا على دور الأردن المحوري في المنطقة ، وصف ميرتس الأردن بأنه "بلد راسخ في منطقة لا تعرف السلام"، مشيرًا إلى استقراره السياسي ودوره كركيزة أساسية في الشرق الأوسط ، كما أكد المستشار الألماني على التزام بلاده بالتفاوض للتوصل إلى حل الدولتين، معتبرًا إياه الفرصة المثلى لتحقيق السلام في المنطقة. وأشار إلى أن الاعتراف بدولة فلسطين "أمر ننظر فيه، وليس خطوة سنقوم بها الآن"، لكنه سيكون خطوة ضرورية لتحقيق حل الدولتين وتأسيس دولة فلسطين في المستقبل القريب ، بالإضافة إلى ذلك، أعلن ميرتس عن تنسيق بلاده مع الأردن لترتيب إنزالات جوية للمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، مؤكدًا أن الأردن شريك أساسي لألمانيا في التعامل مع الظروف المأساوية في غزة.
فيما يقول رئيس الوزراء الكندي مارك كارني الاسبوع الماضي في اتاوا :- ( اسمح لي أيضاً يا صاحب الجلالة، أن أثني على دورك الشخصي في إحلال السلام والأمن في المنطقة، فلم يكن ذلك أكثر أهمية من الآن.)
ويضيف :- ( أعلم أن جلالتك على استعداد لاتخاذ دور قيادي لتحقيق ذلك، كما هو الحال دائماً، ونحن أيضا نرفض أي محاولة لفصل أو تغيير التركيبة الديموغرافية أو الإقليمية للأراضي الفلسطينية المحتلة. )
في زمنٍ تتعدد فيه الأصوات وتتناقض فيه المصالح، يبقى الصوت الذي يحمل الصدق والاتزان هو الأقدر على البقاء والتأثير ، وهكذا هو صوت جلالة الملك عبدالله الثاني... لا يُراهن على الشعارات، بل على المبادئ. لا يطلب دوراً، بل يقوم به ،ويمثل صوت العقل العربي، والضمير الإنساني، والكرامة الأردنية ويبقى التأثير المحسوب الذي يصنعه الملك، أحد أعمدة التوازن في السياسة الإقليمية والدولية.