الذكاء الاصطناعي في البيئة الجامعية.. تطور تقني أم غش أكاديمي؟

نبض البلد -

الوديان: استخدام الذكاء الصناعي لنسخ الاجاباب غش

خويلة: الذكاء الصناعي سيكون شريكًا رئيسا بتصميم المستقبل الجامعي

الأنباط – شذى حتاملة

مع تسارع التطورات التكنولوجية وظهور أدوات الذكاء الاصطناعي مثل "ChatGPT”، باتت هذه التقنيات في متناول أيدي الطلبة، ما فتح أمامهم آفاقًا واسعة في مجالات التحليل والبحث والترجمة وكتابة التقارير، وحتى حل الواجبات الدراسية. هذا التحول الرقمي أثار جدلًا واسعًا في الأوساط الأكاديمية: فهل يمثل استخدام الطلبة لتقنيات الذكاء الاصطناعي نوعًا من الغش؟ أم أنه مجرد توظيف لأداة حديثة تواكب العصر الرقمي؟

تحدٍ مزدوج للجامعات

اليوم، تجد الجامعات نفسها أمام تحدٍ مركّب: من جهة، تشجع الابتكار واستخدام التكنولوجيا الحديثة، ومن جهة أخرى، تسعى للحفاظ على النزاهة الأكاديمية وضمان أن تعبّر الواجبات عن المستوى الحقيقي للطلبة ومهاراتهم الفردية.

في هذا السياق، يوضح الدكتور محمد الوديان، أستاذ علم الحاسوب ونائب مدير مركز الحاسب والمعلومات في جامعة اليرموك، أن شريحة واسعة من الطلبة تستخدم الذكاء الاصطناعي بطريقة خاطئة، عبر نسخ الإجابات دون فهم أو تعديل، معتبرًا ذلك غشًا أكاديميًا واضحًا. ويؤكد أن "الطالب الذي يلجأ للنسخ يغش نفسه أولًا، لأنه لا يحقق الهدف التعليمي من الواجب.”

ويشير إلى أن الاستخدام الإيجابي لهذه التقنية يكمن في دعم البحث والاجتهاد الذاتي، كأن يتحقق الطالب من صحة إجابته أو يطوّرها باستخدام الذكاء الاصطناعي، ما يعزز عملية التعلم ولا ينتقص منها.

الذكاء الاصطناعي: واقع وليس احتمالًا

بحسب الوديان، لم يعد الذكاء الاصطناعي خيارًا مستقبليًا، بل أصبح واقعًا حاضرًا في البيئة الجامعية. ويُستخدم حاليًا في مهام متعددة كتحليل البيانات، والترجمة، وتلخيص النصوص، وهي أدوات تسهم في توفير الوقت والجهد وتحسين جودة العمل الأكاديمي.

لكنه يوضح أن النتائج تعتمد على طريقة الاستخدام: "إذا استُخدم بشكل صحيح، فإنه يعزز مهارات التفكير والكتابة، أما الاعتماد الكلي عليه، فيؤدي إلى ضعف في المهارات الأساسية لدى الطلبة.”

أما عن تقييم الواجبات، فيرى الوديان أن الذكاء الاصطناعي قد يسهم في تحسين سرعة ودقة التقييم، لكنه لا يمكن أن يحل مكان المدرس. "الأستاذ المتمرس قادر على تمييز ما إذا كانت الإجابة ناتجة عن تفكير الطالب أو عن نسخ مباشر من أدوات الذكاء الاصطناعي”، مشيرًا إلى أهمية رسم حدود واضحة لهذا الاستخدام.

الذكاء الاصطناعي.. شريك لا بديل

من جانبه، يرى الدكتور محمد خويلة، المتخصص في علم الاجتماع الإعلامي، أن الذكاء الاصطناعي بات اليوم شريكًا أساسيًا في البحث العلمي، ومحرّكًا لتطوير المهارات الإبداعية لدى الطلبة والباحثين. لكنه يؤكد أن هذه التقنيات لن تحل محل العقل البشري، فمهارات مثل التفكير النقدي، وصياغة الأسئلة، والإطار الفلسفي للعلم لا تزال حكرًا على الإنسان.

ويضيف أن الذكاء الاصطناعي أحدث تحولًا نوعيًا في التعليم الجامعي، عبر تحسين جودة التدريس وتخصيص أساليب التعلم لتناسب احتياجات الطلبة. ويعتقد أن الذكاء الاصطناعي لن يبقى مجرد أداة مساعدة، بل سيصبح "شريكًا رئيسًا في رسم مستقبل التعليم الجامعي، مع الحفاظ على الدور الإنساني للأستاذ الجامعي في التوجيه والتقييم.”

الأثر المزدوج على الطلبة

وحول تأثير الذكاء الاصطناعي على مهارات الطلبة، يوضح خويلة أن الاعتماد المفرط على هذه الأدوات أدى إلى تراجع ملحوظ في مهارات التحليل والتفكير المستقل، رغم مساهمته في تحسين جودة الكتابة الأكاديمية. ويضيف: "الذكاء الاصطناعي يسهل الوصول إلى المعرفة، لكنه يقلل من اعتماد الطلبة على مهاراتهم الذاتية.”

ويؤكد أن التأثير يحمل وجهين: فمن جهة، يفتح آفاقًا جديدة لتطوير العملية التعليمية، ومن جهة أخرى، يتطلب إشرافًا تربويًا صارمًا لضمان عدم إضعاف المهارات الجوهرية في التفكير النقدي والبحث العلمي.

ويختتم خويلة بالتأكيد على أن الذكاء الاصطناعي يوفر فرصًا واسعة لتطوير التعليم الجامعي، لكنه ليس بديلًا عن الدور البشري، بل يجب أن يُدمج ضمن أطر تربوية وأخلاقية واضحة، لضمان تحقيق تعليم نوعي يواكب العصر ويسهم في التنمية الشاملة.