هل يعاد رسم خريطة المنطقة؟
الخوالدة: نعيش إعادة تشكيل صامتة لا تُرسم بالبندقية وحدها
العموش: الأردن أمام خطر التهجير في ظل ضغوط اقتصادية وتواطؤ دولي
الشوبكي: "سايكس بيكو” ناعمة تعيد توزيع النفوذ دون خرائط جديدة
حسين: ما يجري ليس سلامًا اقتصاديًا بل تفكيك ديموغرافي صامت
البستنجي: إعادة تشكيل الشرق الأوسط.. سقوط الأقنعة وبداية تبلور مشاريع مضادة
الأنباط – رزان السيد
في زمن تتقاطع فيه الجغرافيا مع الجيوسياسة، وتتشكل فيه التحالفات وتُنسَج الاتفاقيات خلف الأبواب المغلقة، يتصاعد الحديث عن ملامح شرق أوسط جديد. شرقٌ لا يولد من رحم تسويات عادلة، بل من صفقات تُعيد توزيع السكان والحدود والنفوذ، بأساليب ناعمة تارة، وبالنار والدمار تارة أخرى.
المؤشرات تتوالى وتغذّي المخاوف من وجود مخططات كبرى لإعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط، ليس على الصعيد السياسي فحسب، بل في بُعدها الديموغرافي أيضًا. فهل ما يجري في فلسطين وسوريا ولبنان مجرّد فوضى عابرة، أم أنه جزء من عملية إعادة تشكيل استراتيجية للمنطقة؟ وهل نحن فعلًا أمام لحظة جديدة من "سايكس بيكو”، أم أن هذه الهواجس مبالغ فيها؟
تحت النار: هندسة سكانية في غزة وسوريا ولبنان
لا تقف المسألة عند التحالفات والمشاريع الاقتصادية فحسب، ففي غزة تسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل في تهجير أكثر من 85% من السكان داخليًا، وسط تحذيرات من فرض واقع دائم يجعل من العودة أمرًا مستحيلًا.
وفي سوريا، تشهد بعض المناطق، خصوصًا تلك التي كانت تحت سيطرة المعارضة، تغييرات ديموغرافية ممنهجة منذ عام 2013. أما في لبنان، فالتصعيد المتواصل على الحدود الجنوبية يُنذر بتهجير آلاف العائلات، خصوصًا من القرى المحاذية للمستوطنات الإسرائيلية.
وتحذّر مصادر حقوقية من أن ما يحدث يمثل "هندسة سكانية صامتة” تصب في خدمة مشاريع طويلة الأمد تهدف إلى تعديل الخريطة السكانية لدول الصراع بما يتماشى مع أجندات إقليمية ودولية.
المنطقة تشهد إعادة تشكيل صامتة
وفي هذا السياق، يرى الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء المتقاعد هلال الخوالدة، أن الشرق الأوسط يعيش اليوم ما يمكن وصفه بـ”إعادة التشكيل الصامت”، حيث لم تعد الخرائط تُرسم بالبندقية والدبابة وحدهما، بل بأدوات جديدة أكثر تعقيدًا، تشمل الحروب، والعقوبات الاقتصادية، والهندسة السكانية، والتطويع السياسي الناعم.
وقال الخوالدة في حديثه لـ”الأنباط”، إن الحرب لم تعد غاية بحد ذاتها، بل غدت وسيلة لفرض وقائع استراتيجية على الأرض، مشيرًا إلى أن العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة يتجاوز أهدافه الأمنية، ليصل إلى أهداف ديموغرافية وسياسية، منها التهجير القسري، وإعادة التوطين، وخلق فراغ سكاني يتم استثماره سياسيًا في مراحل لاحقة
وأضاف أن ما جرى ويجري في سوريا والعراق يبرهن على أن النزاعات المسلحة، سواء بدعم دولي أو من خلال صراعات داخلية، أصبحت منصة لإعادة توزيع السكان وتفكيك النسيج الوطني، بما يخدم مصالح قوى إقليمية ودولية، وربما أيضًا المصالح الصهيونية، على حد تعبيره.
وأكد الخوالدة أن العقوبات والحصار ليست مجرد أدوات ردع، بل باتت تُستخدم كوسائل استراتيجية لإخضاع الشعوب، وإضعاف الدولة المركزية، تمهيداً لتفكيكها أو لإعادة توجيه أولوياتها وتحالفاتها بما ينسجم مع رؤى خارجية مفروضة.
وتابع: "المشهد الإقليمي ما زال في طور التشكّل، وهناك مبادرات غير بريئة تسعى للالتفاف على الشرعية الدولية، مثل ما يسمى بالسلام الاقتصادي، الذي طُرح في رؤية ترامب، أو مشاريع إعادة الإعمار مقابل التنازل. إلا أن هذه المبادرات لم تنجح أمام تمسّك أصحاب الحق بثوابتهم، رغم تفوّق آلة الحرب”.
وفي السياق اللبناني، أشار الخوالدة إلى أن "حزب الله لا يزال يُمثّل تهديدًا قائمًا بالنسبة لإسرائيل، التي لم تتمكن من استنزافه بالكامل، ما يفسّر استمرار عمليات الاستهداف في الجنوب اللبناني في محاولة لإعادة ضبط موازين الردع”.
وختم بالقول إن "موازين القوى التقليدية لم تعد وحدها كافية لتفسير التغيرات، فالتدخلات الناعمة، سواء كانت اقتصادية أو ثقافية، أصبحت تشكّل خطرًا أكبر من المواجهات العسكرية المباشرة، نظرًا لقدرتها على تفكيك المجتمعات من الداخل دون مقاومة ظاهرة، ما يجعلها أدوات فعالة في مشاريع إعادة التشكيل الصامت للمنطقة”.
الأردن أمام خطر التهجير في ظل تواطؤ دولي
قال الوزير الأسبق بسام العموش إن عملية السابع من أكتوبر شكّلت نقطة تحوّل مفصلية في مسار المنطقة، وسرّعت من وتيرة التغييرات الجذرية الجارية في الشرق الأوسط، مؤكدًا أن ما يجري اليوم هو امتداد لحلم إسرائيلي قديم ببناء شرق أوسط جديد، كما ورد في كتاب شمعون بيرس الذي حمل الاسم ذاته، إلا أن الظروف لم تكن مواتية حينها.
وأوضح العموش في حديثه لـ”الأنباط”، أن ما عُرف بالربيع العربي مثّل لحظة أمل طالبت فيها الشعوب بتحسين أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن هذا الحراك تم اختطافه لاحقًا لصالح دكتاتوريات جديدة، فيما سقطت خلاله دماء غزيرة في عدة دول عربية، وأدى ذلك إلى انشغال الشعوب عن القضية الفلسطينية، التي تمثل القضية المحورية في المنطقة.
وأضاف أن بعض الأنظمة العربية استغلت تلك اللحظة للتقارب مع الكيان الإسرائيلي، إلا أن عملية السابع من أكتوبر عطّلت هذه المسارات، بينما جاء الرد الإسرائيلي على غزة بشلال دم غير مسبوق، فاق حتى توقّعات من خطّطوا للعملية ذاتها.
وأشار العموش إلى أن ما كشفه العدوان الإسرائيلي هو حجم "الهولوكوست الفلسطيني”، الذي وصفه بأنه فاق في مأساويته الهولوكوست الألماني، في ظل عجز عربي وإسلامي فاضح عن وقف المجازر أو حتى تقديم المساعدات الإنسانية، ما جعل غزة اليوم على حافة مجاعة حقيقية تُسجَّل فيها يوميًا أعداد متزايدة من الشهداء.
غزة بين الأطماع الاستثمارية وصفقات التهجير
وانتقد العموش بشدة موقف الإدارة الأميركية، قائلًا إن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بوصفه "رجل الصفقات”، أعاد صياغة الدور الأميركي في المنطقة على أساس اقتصادي بحت، دون اعتبار للدم الفلسطيني، لافتًا إلى أن ما لفت انتباهه لم يكن المجازر، بل "جمال ساحل غزة”، الذي اعتبره فرصة استثمارية تتطلّب تفريغ القطاع من سكانه بذريعة أنه لم يعد صالحًا للحياة.
وكشف العموش أن ترامب طرح على الأردن ومصر استقبال سكان غزة بشكل "مؤقت” تحت غطاء إعادة الإعمار، لكن هذا المقترح، الذي جاء بصيغة إنسانية، كان يخفي وراءه مشروع تهجير قسري مغطّى بعناوين إعادة البناء، وقد حال الرفض القاطع من الأردن ومصر دون تنفيذه، ما أدى إلى استمرار المذبحة حتى اللحظة
وأوضح أن العقدة التي تحول دون إنهاء المجزرة قد تُفكّ عبر ترتيبات جزئية، تبدأ بوقف القتال واستعادة المختطفين، وتتطور إلى مقترحات أكثر خطورة، منها توزيع سكان غزة على دول مثل كندا وأستراليا، مضيفًا أن الأخطر من ذلك هو ما يُحاك في الخفاء: تهجير قسري لسكان الضفة الغربية باتجاه الأردن، وربما تحت غطاء قانوني بمنح مئات الآلاف منهم الجنسية الأردنية.
الأردن في عين العاصفة
وحذّر العموش من أن هذا السيناريو يمثّل التغيير الديموغرافي الأخطر في المنطقة، والذي قد يجري بالتوازي مع موجات من التطبيع العربي مع إسرائيل تحت شعار "تحقيق الاستقرار الإقليمي”، مؤكدًا أن ما يُحضَّر حاليًا لا يقتصر على غزة أو الضفة، بل يشمل إعادة ترتيب أوسع يشمل لبنان وسوريا، وفي الطريق اليمن، ليبيا، والسودان.
وختم العموش حديثه بالتأكيد على أن الأردن قد يكون الضحية المقبلة لهذا المشروع، في ظل الأزمات الاقتصادية المتفاقمة، وتراجع الدعم العربي، واشتراطات المساعدات الغربية، داعيًا إلى تمتين الجبهة الداخلية، وتشكيل إدارة سياسية قوية في الحكومة والبرلمان، وإعادة النظر في السياسات الاقتصادية، بما يعزز صمود الدولة في مواجهة الضغوط الخارجية، ويدعم جهود جلالة الملك في حماية المصالح الوطنية.
"سايكس بيكو” ناعمة تعيد توزيع النفوذ دون خرائط رسمية
بدوره، أكد الخبير الأمني والسياسي محسن الشوبكي أن منطقة الشرق الأوسط تشهد اليوم تحولات متسارعة تعيد رسم الجغرافيا والديموغرافيا بصمت، دون الحاجة إلى حروب شاملة أو مؤتمرات دولية، مشيرًا إلى أن الخريطة الجديدة للمنطقة تُرسم بأدوات ناعمة، من خلال إعادة التوطين، وتغيير البنية السكانية، وفرض وقائع ميدانية تحت عناوين براقة مثل "السلام الاقتصادي” أو "المناطق الآمنة”.
وقال الشوبكي في حديثه لـ”الأنباط” إن حرب الإبادة الجارية في غزة منذ أكتوبر 2023، وما خلفته من نزوح جماعي، تُستخدم لترويج أفكار خطيرة، منها "السلام مقابل التوطين”، أو "إعادة الإعمار مقابل الأمن”، ما يجعل السكان ورقة ضغط في مفاوضات غير معلنة، ويُحوّل التهجير القسري إلى خيار وحيد لتفكيك الكتلة البشرية المقاومة.
سياسات تغيير ديموغرافي بصمت في سوريا ولبنان
وأوضح الشوبكي أن ما يحدث في سوريا من تغييرات سكانية ليس طارئًا، بل يجري ضمن سياسات ممنهجة تهدف إلى إعادة توزيع طائفي. وأشار إلى "المرسوم 66” الصادر عام 2012، والذي فُرض تحت غطاء تنظيم العشوائيات في دمشق، لكنه اتُهم باستخدامه كأداة لتهجير السكان المعارضين. كما لفت إلى أن الجنوب السوري يشهد محاولات إسرائيلية لاستمالة دروز السويداء والقنيطرة، من خلال مساعدات اقتصادية وانتداب تنموي، لخلق حزام موالٍ قرب الجولان المحتل.
أما في لبنان، فأشار إلى أن التصعيد على الحدود الجنوبية يتقاطع مع أزمات سياسية واقتصادية خانقة، وسط توقعات بترتيبات أمنية جديدة في الجنوب تخدم مصالح الاحتلال الإسرائيلي. وأضاف أن الشمال اللبناني يشهد نشاطًا متزايدًا لمجموعات مسلحة مثل "كتائب العز” و”قوات الفجر”، إلى جانب بعض الفصائل الفلسطينية، التي تتحرك ضمن التوازنات التي يفرضها حزب الله، مشيرًا إلى أن هذه الخريطة المتشابكة تُظهر تفككًا وظيفيًا غير مُعلن، يقابله دعم دولي مشروط بترتيبات أمنية واقتصادية.
تركيا ترسم خريطتها عبر الشمال السوري
وأكد الشوبكي أن تركيا تدير مناطق واسعة من الشمال السوري منذ العام 2016، من خلال عمليات عسكرية هدفت إلى منع قيام كيان كردي على حدودها، وتوطين لاجئين سوريين في تلك المناطق. ولفت إلى أن أنقرة تعتبر "وحدات الحماية الكردية” امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، وتعيد رسم الخريطة السكانية بما يخدم أمنها القومي ويمنع أي تهديد جغرافي مستقبلي.
خريطة بلا خرائط.. و”سايكس بيكو” جديدة بوظائف مختلفة
وقال الشوبكي إن المنطقة ربما أمام "سايكس بيكو ناعمة”، تعيد توزيع النفوذ السياسي والجغرافي وفق وظائف طائفية وأمنية واقتصادية، دون الحاجة إلى خطوط واضحة أو اتفاقيات رسمية، إذ بات الواقع الميداني يرسم الجغرافيا السياسية بهدوء، وتحت أنظار المجتمع الدولي.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تتحرك في الخلفية عبر مشاريع اقتصادية تهدف إلى إعادة هندسة التوازنات الإقليمية، بينما يسعى الكيان الإسرائيلي لتثبيت وقائع ديموغرافية على الأرض في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان والجنوب السوري. أما إيران، فقد رسخت نفوذها في سوريا ولبنان عبر وكلاء محليين، وتركيا تعيد تشكيل الشمال السوري وفق أجندة أمنية وإقليمية خاصة بها.
"سايكس بيكو” ناعمة تعيد توزيع النفوذ دون خرائط رسمية
بدوره، أكد الخبير الأمني والسياسي محسن الشوبكي أن منطقة الشرق الأوسط تشهد اليوم تحولات متسارعة تعيد رسم الجغرافيا والديموغرافيا بصمت، دون الحاجة إلى حروب شاملة أو مؤتمرات دولية، مشيرًا إلى أن الخريطة الجديدة للمنطقة تُرسم بأدوات ناعمة، من خلال إعادة التوطين، وتغيير البنية السكانية، وفرض وقائع ميدانية تحت عناوين براقة مثل "السلام الاقتصادي” أو "المناطق الآمنة”.
وقال الشوبكي في حديثه لـ”الأنباط” إن حرب الإبادة الجارية في غزة منذ أكتوبر 2023، وما خلفته من نزوح جماعي، تُستخدم لترويج أفكار خطيرة، منها "السلام مقابل التوطين”، أو "إعادة الإعمار مقابل الأمن”، ما يجعل السكان ورقة ضغط في مفاوضات غير معلنة، ويُحوّل التهجير القسري إلى خيار وحيد لتفكيك الكتلة البشرية المقاومة.
سياسات تغيير ديموغرافي بصمت في سوريا ولبنان
وأوضح الشوبكي أن ما يحدث في سوريا من تغييرات سكانية ليس طارئًا، بل يجري ضمن سياسات ممنهجة تهدف إلى إعادة توزيع طائفي. وأشار إلى "المرسوم 66” الصادر عام 2012، والذي فُرض تحت غطاء تنظيم العشوائيات في دمشق، لكنه اتُهم باستخدامه كأداة لتهجير السكان المعارضين. كما لفت إلى أن الجنوب السوري يشهد محاولات إسرائيلية لاستمالة دروز السويداء والقنيطرة، من خلال مساعدات اقتصادية وانتداب تنموي، لخلق حزام موالٍ قرب الجولان المحتل.
أما في لبنان، فأشار إلى أن التصعيد على الحدود الجنوبية يتقاطع مع أزمات سياسية واقتصادية خانقة، وسط توقعات بترتيبات أمنية جديدة في الجنوب تخدم مصالح الاحتلال الإسرائيلي. وأضاف أن الشمال اللبناني يشهد نشاطًا متزايدًا لمجموعات مسلحة مثل "كتائب العز” و”قوات الفجر”، إلى جانب بعض الفصائل الفلسطينية، التي تتحرك ضمن التوازنات التي يفرضها حزب الله، مشيرًا إلى أن هذه الخريطة المتشابكة تُظهر تفككًا وظيفيًا غير مُعلن، يقابله دعم دولي مشروط بترتيبات أمنية واقتصادية.
تركيا ترسم خريطتها عبر الشمال السوري
وأكد الشوبكي أن تركيا تدير مناطق واسعة من الشمال السوري منذ العام 2016، من خلال عمليات عسكرية هدفت إلى منع قيام كيان كردي على حدودها، وتوطين لاجئين سوريين في تلك المناطق. ولفت إلى أن أنقرة تعتبر "وحدات الحماية الكردية” امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، وتعيد رسم الخريطة السكانية بما يخدم أمنها القومي ويمنع أي تهديد جغرافي مستقبلي.
خريطة بلا خرائط.. و”سايكس بيكو” جديدة بوظائف مختلفة
وقال الشوبكي إن المنطقة ربما أمام "سايكس بيكو ناعمة”، تعيد توزيع النفوذ السياسي والجغرافي وفق وظائف طائفية وأمنية واقتصادية، دون الحاجة إلى خطوط واضحة أو اتفاقيات رسمية، إذ بات الواقع الميداني يرسم الجغرافيا السياسية بهدوء، وتحت أنظار المجتمع الدولي.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تتحرك في الخلفية عبر مشاريع اقتصادية تهدف إلى إعادة هندسة التوازنات الإقليمية، بينما يسعى الكيان الإسرائيلي لتثبيت وقائع ديموغرافية على الأرض في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان والجنوب السوري. أما إيران، فقد رسخت نفوذها في سوريا ولبنان عبر وكلاء محليين، وتركيا تعيد تشكيل الشمال السوري وفق أجندة أمنية وإقليمية خاصة بها
إعادة تشكيل الشرق الأوسط بدأت
أما خبير العلاقات العامة الدكتور عمر البستنجي فأكد أن منطقة الشرق الأوسط تقف على أعتاب مرحلة إعادة تشكيل عميقة، تتجاوز حدود المواجهات العسكرية والاتفاقيات السياسية الظرفية، وتمتد لتطال الجغرافيا، والديموغرافيا، والهوية، مشددًا على أن ما يجري حاليًا ليس مجرد تقلبات سياسية، بل تحولات استراتيجية تعكس تعثرًا واضحًا في المشروع الغربي الساعي لتشكيل "شرق أوسط جديد” عبر أدوات ناعمة مثل "السلام الاقتصادي” و”إعادة التوطين” و”الهندسة السكانية”.
وقال البستنجي في حديثه لـ”الأنباط”، إن فشل إسرائيل في تحقيق نصر حاسم في غزة شكّل نقطة تحوّل أربكت الحسابات الأميركية، التي كانت تراهن على تصفية القضية الفلسطينية عبر تفكيكها إلى ملفات إنسانية وتنموية قابلة للتفاوض. ونتيجة لذلك، تعطلت محاولات واشنطن لفرض مشروعها، لتجد نفسها أمام مأزق استراتيجي يصعب تجاوزه دون مراجعة شاملة.
انكشاف زيف "السلام الاقتصادي” وتآكل الخطاب الأميركي
وأضاف أن الحكومة الإسرائيلية الحالية، بقيادة ائتلاف يميني ديني متشدد، فشلت في تقديم أي رؤية سياسية واقعية، ما أدى إلى سقوط خطاب "السلام الاقتصادي” الذي كانت الولايات المتحدة تروّج له، بعد أن اتضح لعدد متزايد من الحكومات والشعوب في المنطقة أنه ليس سوى غطاء لتصفية الحقوق المشروعة، لا وسيلة لتحقيق التنمية وحفظ الكرامة.
تبلور ثلاثة مشاريع إقليمية.. ومحور عربي جديد ينهض من الداخل
وأشار البستنجي إلى أن المنطقة باتت تشهد تبلور ثلاثة مشاريع إقليمية متنافسة: الأول تركي والثاني إيراني، وكلاهما يعتمد على أدوات أيديولوجية تؤسس لنفوذ طويل الأمد، يتجاوز الأطر الاقتصادية والسياسية. أما المشروع الثالث، فهو مشروع عربي ناشئ يتبلور عبر تقارب ثلاثي بين مصر والسعودية والأردن، يهدف إلى ترميم البيت العربي الداخلي وتحصينه في وجه التدخلات الخارجية.
وأوضح أن هذا المشروع العربي يتميّز بقراءة واقعية للمخاطر والتحديات، وقد بدأت خطواته تتجسد من خلال مشاريع تكاملية في البنية التحتية، والربط الكهربائي والسككي، بين العواصم الثلاث، مع انفتاح على العراق وسوريا ولبنان، ما يشير إلى نواة محور عربي قد يشكّل توازنًا حقيقيًا في وجه المشاريع الإقليمية الأخرى.
وتابع: "تملك هذه الدول عناصر ثقل استراتيجي مهم؛ فالسعودية تمتلك حضورًا مركزيًا في العالمين العربي والإسلامي، ومصر بحجمها الجغرافي والديموغرافي تشكل ركيزة لا غنى عنها، أما الأردن، فله خصوصية في الموقع والدور، بحكم صلته العضوية بالقضية الفلسطينية، فضلًا عن رمزية الأسرة الهاشمية وتأثيرها العربي والإسلامي”.
واشنطن تراهن على وهم.. وإسرائيل تفشل في كل الحروب
وفي السياق ذاته، لفت البستنجي إلى أن دوائر صنع القرار في الغرب بدأت تدرك أن إسرائيل، كدولة مصطنعة خُلقت لخدمة المشروع الغربي، لم تعد قادرة على فرض وقائع جديدة في الإقليم. وقال إن إخفاقها في تحقيق انتصارات حاسمة، منذ معركة الكرامة عام 1968 وحتى المواجهات الأخيرة في غزة، يكشف محدودية قدراتها رغم الدعم الأميركي غير المحدود.
وتساءل البستنجي: "كيف لدولة لا تتجاوز مساحتها 21 ألف كيلومتر مربع، ويقطنها نحو 7 ملايين نسمة، مليون منهم في الخارج، و700 ألف غادروها بعد السابع من أكتوبر، و1.3 مليون من طائفة الحريديم غير المنخرطين في الجيش أو الاقتصاد، أن تفرض هيمنتها على إقليم يضم أكثر من 650 مليون نسمة، يمتد على مساحة 16 مليون كيلومتر مربع؟”.
نتنياهو أفشل المشروع.. والخارطة تتحرك في الاتجاه المعاكس
وختم البستنجي حديثه بالقول إن واشنطن كانت تأمل في إعادة تشكيل المنطقة بهدوء، عبر الاقتصاد، وإعادة توجيه الولاءات، دون الحاجة إلى صراع مباشر. لكن اندفاع حكومة نتنياهو وتطرفها غير المحسوب أسقط الأقنعة، وأفشل الرهان الأميركي – الإسرائيلي، وأعاد رسم خارطة التحالفات في اتجاه يتناقض تمامًا مع المشروع الصهيوأميركي.