نبض البلد - للكاتب والمحلل الأمني د. بشير الدعجه
في زوايا الحياة اليومية التي يعتقد البعض أنها آمنة ... كانت هناك كارثة تتسلل بصمت داخل زجاجات تحمل الخطر على هيئة شراب قاتل... إنها المشروبات الروحية المغشوشة التي احتوت على مادة الميثانول السامة... تلك المادة التي لا ترحم إذا وصلت إلى جسد إنسان والتي أودت خلال أيام قليلة بأرواح تسعة مواطنين وأدخلت آخرين إلى العناية الحثيثة يصارعون الموت تحت أجهزة التنفس...
لكن في خضم هذه الأزمة المؤلمة ... برزت يد الدولة الحانية والقوية في آن واحد متمثلة بجهاز الأمن العام الذي أثبت مرة أخرى أنه لا ينتظر الكوارث ليتحرك وإنما يستبقها بخطط مدروسة وإجراءات دقيقة وسريعة...
الميثانول لم يكن مجرد خطأ في التصنيع ... بل جريمة متعمدة لتحقيق الربح على حساب الأرواح... المصنع لم يكن عشوائيًا في أطراف المدينة بل كان مرخصًا ويتخذ غطاء قانونيًا ظاهريًا ما زاد من تعقيد مهمة اكتشافه ومداهمته...
فور ورود أولى الإشارات عن حالات تسمم جماعي... تحركت وحدات الأمن العام وفق خطة استباقية لا مكان فيها للتردد... لم تكن المسألة مجرد رد فعل بل كانت استجابة احترافية بدأت بمداهمة المصنع المشتبه به وتفتيشه ومصادرة محتوياته...
ثم تحركت الخطة إلى مرحلة أكثر تعقيدًا ودقة ... وهي تتبع سلسلة التوزيع بالكامل من نقطة الإنتاج إلى نقاط البيع في مختلف المحافظات... وبفضل هذا التحرك السريع والحاسم تمكنت الأجهزة الأمنية من مصادرة ما يقارب 99% من المشروبات الروحية المغشوشة المنتشرة في السوق الأردني...
هذا التحرك لو تأخر لساعات فقط لكانت النتيجة مأساة وطنية كبيرة تتصدر عناوين العالم كله... عشرات وربما مئات الضحايا... عائلات مفجوعة... ومجتمع بأكمله يهتز من هول الكارثة...
لكن الحرفية والسرعة والمهنية العالية لجهاز الأمن العام أنقذت الأرواح ومنعت ما لا يمكن تعويضه...
الأمن العام أثبت مجددًا أنه ليس مجرد جهاز أمني كلاسيكي... بل هو مؤسسة وطنية متكاملة تتعامل مع التهديدات بمنظور شامل يضع صحة المواطن وسلامته في مقدمة الأولويات...
ما حدث ليس فقط نجاحًا أمنيًا بل إنقاذ لحياة بشرية وأرواح لا تُقدّر بثمن... ووراء هذا الإنجاز وقفت فرق مدربة بخبرات عالية وجاهزية كاملة وحس وطني لا يُقاس بالكلمات...
من قلوبنا جميعًا نقولها... شكرًا لجهاز الأمن العام ... شكرًا لحرفيتكم العالية وقراراتكم السريعة... شكرًا لأنكم كنتم الدرع الذي تصدى لهذه السموم قبل أن تحصد مزيدًا من الأرواح...
لقد أنقذتم الأردن من كارثة كانت تطرق الأبواب بصمت... ولولاكم لبكينا كثيرًا على أحبة رحلوا... أنتم صمّام الأمان وسياج الوطن المنيع... وكل التحية لكم على ما قدّمتم وتقدّمون لهذا الوطن الكريم... وللحديث بقية.
#د. بشير _الدعجه