بعد شكاوى من صعوبة "التوجيهي 2025".. خبراء تربويون يوضحون الأسباب والتداعيات

نبض البلد -

 

الفجوة المعرفية في التعليم الأردني تصل إلى 7.7 من أصل 12 سنة دراسية

عبيدات: امتحان الرياضيات يشير إلى ضعف مؤسسي في الإدارة التربوية

المساد: غياب تطبيق لائحة مواصفات تحكم توزيع المهارات ومستوى الأسئلة

الأنباط – شذى حتاملة

أثارت امتحانات شهادة الثانوية العامة (التوجيهي) لعام 2025 جدلًا واسعًا في الأوساط الطلابية والتربوية، في أعقاب شكاوى متكررة من الطلبة بشأن صعوبة عدد من الأسئلة، خصوصًا في مادتي الرياضيات واللغة الإنجليزية. وقد عبّر العديد من الطلبة عن صدمتهم مما وصفوه بـ"الأسئلة التعجيزية"، التي رأوا أنها تجاوزت في تعقيدها ما تم تدريسه خلال العام الدراسي، وطرحت تساؤلات جوهرية حول مدى توافق الامتحانات مع قدراتهم والمناهج المعتمدة.

وقال الخبير التربوي الدكتور ذوقان عبيدات إن عددًا من الطلبة المتميزين لم يتمكنوا من إنهاء الاختبار في الوقت المحدد، في حين أجمع المعلمون على أن مستوى الأسئلة جاء أعلى بكثير من المتوقع. وأوضح أن خبراء التقييم أشاروا إلى أن ملاءمة الأسئلة للمنهاج والطلبة لم تتجاوز واحدًا من عشرة، في حين رأى الفنيون أن نمط "الاختيار من متعدد" لم يكن مناسبًا بالشكل المطلوب.

وأشار عبيدات إلى أن اختبار الرياضيات شكّل مثالًا صارخًا على التعقيد، إذ ضمّ بعض الأسئلة ما يصل إلى ست خطوات لحل السؤال الواحد، ما أثار إشكاليات تتعلق بملاءمة الأسئلة والوقت المتاح. واعتبر أن ما يحدث يعكس ضعفًا مؤسسيًا في الإدارة التربوية، التي تعاني -بحسب تعبيره– من اختيار غير دقيق للأشخاص في المواقع الحساسة.

وأضاف عبيدات أن هناك معايير علمية معروفة في مجال القياس والتقويم، مثل صدق الاختبار وثباته، غير أن جوهر الإشكالية يكمن في الجهة أو الشخص الذي يضع الامتحانات، والتي لا تُصاغ أحيانًا لتناسب الطلبة فعليًا. وشدّد على أهمية "الاختبار البدائي" الذي يبدأ بتحديد الفئة المستهدفة وفهم خصائصها.

وفي انتقاد لاذع، وصف عبيدات طبيعة بعض الأسئلة بـ"السادية"، مشيرًا إلى أن واضعي الامتحانات بدوا وكأنهم يستهدفون الطلبة والمجتمع، وليس تقييم قدراتهم بموضوعية. وأكد ضرورة مراعاة ظروف الطلبة ومستوياتهم الدراسية عند إعداد أي اختبار، متسائلًا إن كان من يضع الأسئلة يدرك حجم التوتر الذي يسببه للطلبة.

وفيما يتعلق بالحلول، دعا عبيدات إلى الالتزام الصارم بمعايير الاختبارات التربوية السليمة، مع توفير الوقت الكافي للإجابة، مشددًا على أهمية اختيار أشخاص ذوي كفاءة ونزاهة في إعداد الامتحانات، وضرورة الاستعانة بخبراء تربويين على دراية بقضايا العصر واحتياجات الطلبة.

من جهته، قال الدكتور محمود المساد، مدير المركز الوطني لتطوير المناهج سابقًا، إن الشكاوى المتكررة من صعوبة الامتحانات، لا سيما في الرياضيات واللغة الإنجليزية، تعود إلى غياب الاهتمام بالطلبة من قبل صانعي السياسات التعليمية. واعتبر أن الطالب – وهو الهدف الأساسي للنظام التعليمي – غائب تمامًا عن تفكير واضعي السياسات، الذين – حسب تعبيره – ينشغلون بـ"محاكمات هامشية" لا تخدم إلا مصالحهم الشخصية.

وانتقد المساد ما وصفه بـ"التفكير السطحي" لقيادات الوزارة، مشيرًا إلى أن مهمتها الأساسية يجب أن تركز على تمكين الطلبة من المعرفة والمهارات التي تعزز التنمية وتدعم الدولة. كما لفت إلى أن هناك توجهًا واضحًا داخل الوزارة لمواجهة الانتشار الواسع للمنصات التعليمية الإلكترونية، خصوصًا تلك التي تقدم دروسًا في الرياضيات عبر بطاقات مدفوعة، من خلال تعقيد الامتحانات وتحيّزها لفئة صغيرة من الطلبة ذوي القدرات العالية.

وأوضح المساد أن هذا التوجه أفضى إلى تشويه منحنى التوزيع الطبيعي لقدرات الطلبة، وإهمال شريحة واسعة منهم. كما أكد أن الوزارة تدرك تمامًا أن الفجوة المعرفية في التعليم الأردني تصل إلى 7.7 من أصل 12 سنة دراسية، بحسب دراسات دولية موثوقة، مشيرًا إلى أن الطلبة الذين أتموا الصف الثاني عشر لا يمتلكون سوى معارف ومهارات تعادل مستوى الصف الثامن، ورغم ذلك يتم اختبارهم على مستوى الصف الثاني عشر.

وانتقد المساد غياب تطبيق لائحة المواصفات التي تحكم توزيع المهارات ومستوى الأسئلة ومدة الإجابة بما يراعي الفروق الفردية بين الطلبة، متسائلًا عن دور المستشارين وخبراء القياس والتقويم في الوزارة والمركز الوطني لتطوير المناهج. واعتبر أن هناك تجاهلًا متعمدًا لحاجات الطلبة في سياق "مناكفات لا معنى لها" مع المراكز الثقافية والمنصات الإلكترونية.

واختتم المساد بالتأكيد على ضرورة أن تنظر وزارة التربية والتعليم إلى هذه المراكز والمنصات باعتبارها مؤسسات وطنية تخدم الطلبة الأردنيين، وتستحق الدعم والتعاون، لا المواجهة، مشددًا على أهمية تبادل الخبرات معها والاستفادة من تجاربها الناجحة في توظيف التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في التعليم.