العموش: ترامب يسعى للظهور كصانع حرب وسلام.. ووقف النار يخدم نتنياهو والسلطة
المشاقبة: الأسبوع القادم قد يشهد انفراجة بوقف الإبادة الجماعية في غزة
الشوبكي: لا رهان على تصريحات ترامب ووقف النار مرهون بحسابات صهيونية
حسين: لا وقف للنار بدون توافقات شاملة وتصريحات ترامب لا تكفي
الأنباط – رزان السيد
بين صراخ الضحايا تحت الأنقاض، ودخان الصفقات التي تطبخ في كواليس السياسة الدولية، يخرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتصريح يثير العاصفة، يقول: "وقف إطلاق النار في غزة خلال أيام"، ويأتي هذا الكلام في لحظة مشتعلة تمتحن فيها حدود النفوذ الأميركي، وتغلف فيها المآسي الفلسطينية بورق المصالح.
وبين من يراه منقذًا يسعى لإنهاء المجازر، ومن يعتبره حاملًا لأجندة إنقاذ نتنياهو من مأزقه، تتباين القراءات حول دلالات هذا الموقف ومآلاته، فهل هو تحرك جاد نحو التهدئة؟ أم مجرد استعراض على أنقاض غزة المنكوبة؟
وفي السياق، يقول الوزير الأسبق الدكتور بسام العموش إن الرئيس الأميركي يسعى لإظهار نفسه كقائد يجمع بين الحرب والسلام، ويحقق مكاسب مالية ضخمة، وأوضح أن ترامب أمر كلًا من إيران والاحتلال الإسرائيلي بالتوقف، وقد استجاب الطرفان، متسائلًا: "ما دام يأمر ويتم تنفيذ أوامره، فلماذا لا ينقذ حليفه نتنياهو بوقف الحرب على غزة؟"
وأضاف العموش أن الضربة التي وجهها ترامب لإيران منحت إسرائيل نصرًا استراتيجيًا، ما أنقذ نتنياهو من صورة المهزوم أمام جمهوره.
وبين أن وقف إطلاق النار يستجيب لمطالب أهالي الأسرى الذين يخشون على حياة أبنائهم، في حين أن استمرار الحرب قد يعرضهم للموت، كما اعتبر أن التهدئة تمثل مطلبًا عربيًا ملحًا، وفرصة لتقليص نفوذ حركة حماس في غزة، وفي ذات الوقت محاولة لإنقاذ ما تبقى من سلطة رام الله.
وأشار العموش إلى أن ترامب يوجه اهتمامه الآن نحو الملف الأوكراني، في مسعى لتحقيق ما عجز عنه الرؤساء السابقون، وإثبات أنه اللاعب الأبرز الذي لا غنى عنه في الساحة الأوروبية.
حل وسطي بين الجانبين
ومن جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية، الأستاذ الدكتور أمين المشاقبة، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو الشخصية الوحيدة القادرة على الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوقف الغطرسة الإسرائيلية وفرض وقف لإطلاق النار في غزة.
وأوضح المشاقبة في حديثه لـ"الأنباط" أن هناك مقترحًا مطروح حاليًا على الطاولة حول ثلاث قضايا محورية، وقف إطلاق النار، إدخال المساعدات الإنسانية، وآلية الإفراج عن المختطفين.
ولفت إلى أن الخلاف يكمن في أن إسرائيل تطرح وقفًا مؤقتًا للأعمال القتالية، بينما تصر حركة حماس على إنهاء الحرب بشكل كامل والانتقال إلى مفاوضات تتعلق بمرحلة ما بعد الحرب.
كما أكد المشاقبة أن الولايات المتحدة تبقى الطرف الوحيد القادر على بلورة حل وسطي بين الجانبين، مرجحًا أن يشهد الأسبوع المقبل اختراقًا في مسار وقف الإبادة الجماعية في غزة، خاصة في ظل الجهود الحثيثة التي تبذلها كل من قطر ومصر كوسطاء لإنهاء التصعيد الدموي في القطاع.
التعويل على تصريحات ترامب
أما المحلل الأمني والسياسي، محسن الشوبكي، فقد أكد أنه لا يمكن التعويل على تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن إمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، خاصة وأن مواقف الولايات المتحدة ما تزال تنحاز بوضوح إلى السردية الصهيونية في تحديد أهداف الحرب، وعلى رأسها القضاء على حركة حماس وتحرير الأسرى، وهي أهداف لم تتحقق على الأرض رغم التصعيد المستمر.
وأشار الشوبكي خلال حديثه لـ "الأنباط"، إلى أنه ورغم تعدد الدعوات الشكلية لوقف إطلاق النار التي أطلقها ترامب خلال فترات متفرقة من ولايته، إلا أن الواقع يؤكد عودته المتكررة إلى تبني الرؤية الصهيونية بل وتعزيزها، حيث زادت إدارته من حجم الدعم العسكري المقدم للكيان، وتماهت مع الموقف الصهيوني فيما يخص المساعدات الإنسانية عبر مؤسسة غزة، التي تستخدم كواجهة أمنية تخدم مصالح أمنية وعسكرية مزدوجة للطرفين.
وتابع أن الأخطر من ذلك، وجود تطابق معلن في رفض كل من الكيان والولايات المتحدة لفكرة حل الدولتين، إضافة إلى مؤشرات على تنسيق مواقفهما فيما يتعلق بتخطيط عمليات تهجير قسري من غزة، وهو ما يقوض أي أساس لمفاوضات عادلة أو شاملة على المدى القريب.
وأشار الشوبكي إلى أن الولايات المتحدة والكيان يفصلان بشكل واضح بين الحرب المستمرة في غزة والتصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران، حيث توظف العمليات الإسرائيلية ضد إيران ضمن استراتيجية الضغط على المقاومة الفلسطينية، ما يعكس غياب أي نية حقيقية لربط الملفات ضمن مقاربة شاملة لحلحلة الأزمات.
كما يرى أن تصريحات ترامب قد تكون مدفوعة بحسابات شخصية تتعلق بتحسين صورته أمام المجتمع الدولي، خاصة بعد ترشيحه لنيل جائزة نوبل من قبل باكستان، في وقت يحظى فيه بدعم داخلي واسع في أمريكا من التيار المؤيد للكيان، وهو ما يدفعه لتقديم نفسه كوسيط محتمل رغم انحيازه الواضح.
أما المبادرات الأميركية الصهيونية بشأن الهدنة، فهي تركز على شروط أمنية بحتة، كإطلاق سراح الأسرى وتحديد فترات زمنية قصيرة للهدوء، مقابل تقديم مساعدات إنسانية محدودة، في المقابل، تطالب المقاومة الفلسطينية بضمانات أميركية ملزمة لوقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب كامل من غزة، وهي مطالب تُقابل برفض قاطع من الطرفين، بحسب الشوبكي.
وأشار الى أن الولايات المتحدة استخدمت مؤخرًا النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لإفشال الجهود الدولية الرامية إلى وقف العدوان وتسهيل دخول المساعدات، ما يعزز الانطباع بأن قرار وقف الحرب لا يخضع لإرادة فلسطينية أو دولية، بل تحكمه اعتبارات صهيونية داخلية مدعومة بتغطية سياسية وعسكرية أميركية.
ولذلك يندرج مطلب ترامب بإلغاء محاكمة نتنياهو ومنحه العفو ضمن مسعى لتهيئة مخرج سياسي داخلي يتيح للكيان إنهاء العمليات العسكرية دون خسائر سياسية فادحة، فالقرار الحقيقي بوقف إطلاق النار لا يرتبط بالتصريحات، بل بحسابات القوة والتحالفات، والدعم الأميركي الذي لا يزال يشكل ركيزة لاستمرار الحرب، بحسب الشوبكي.
وأضاف "بالتالي، لا توجد معطيات ميدانية أو سياسية كافية تشير إلى قرب التوصل إلى وقف لإطلاق النار، بل إن المعطيات الحالية تميل إلى مزيد من التصعيد الممنهج والمدعوم، ما يبعد إمكانية التهدئة في المدى المنظور، ما لم تحدث ضغوط دولية نوعية تغيّر من طبيعة الاصطفافات القائمة".
دلالات سياسية
ومن جانب آخر، أكد الباحث في العلاقات الدولية، الدكتور عمرو حسين، أن تصريح ترامب في هذا التوقيت حول وقف إطلاق النار في غزة في غضون أسبوع، يحمل دلالات سياسية بالغة الدقة، ويصعب فصله عن السياقين الإقليمي والدولي، وكذلك عن حسابات ترامب الانتخابية المتصاعدة.
وأضاف حسين في حديثه لـ"الأنباط"، إلى أن هذا الإعلان يأتي بعد تصاعد غير مسبوق في وتيرة المواجهة الإسرائيلية الإيرانية، خصوصًا بعد الضربات المتبادلة الأخيرة التي زادت من تعقيد المشهد الأمني في المنطقة، وقد تسعى بعض الأطراف لاحتواء تصعيد مزدوج، في غزة وفي الجبهة الإيرانية، تحسبًا لانفجار إقليمي واسع، لافتًا إلى أن تصريحات ترامب تعد محاولات سياسية مبكرة لتسجيل نقاط انتخابية، خصوصًا أن ملف غزة يستخدم في العادة كورقة ضمن الدعاية الانتخابية الأمريكية، سواء من قبل الجمهوريين أو الديمقراطيين.
وفيما يخص أدوات الضغط المتاحة لترامب، قال حسين: "بصفته رئيسًا للولايات المتحدة، يمتلك ترامب أدوات تنفيذية وتأثيرًا مباشرًا على الأطراف المعنية، إضافة إلى امتدادات داخل مراكز القوى الأمريكية، وخاصة اللوبي الداعم لإسرائيل، وقد يسعى عبر هذه القنوات لممارسة ضغط على الحكومة الإسرائيلية، أما حماس، فمن الصعب أن تستجيب لضغوط أمريكية مباشرة، لكنها قد تتجاوب مع وساطات تنطلق من تقاطعات إقليمية تضم مصر وقطر وتركيا وربما إيران، في حال وجد توافق ضمني على تهدئة مرحلية".
وأشار إلى أن الحديث عن قدرة واشنطن على فرض وقف إطلاق نار بشكل منفرد في هذه المرحلة يبدو مبالغًا فيه، خصوصًا بأنه يتم التعامل مع الملف الفلسطيني الإسرائيلي بحذر شديد، مضيفًا بأنه إذا ما تحقق وقف لإطلاق النار، فإنه سيكون على الأرجح نتاج تقاطع مصالح دولية وإقليمية، وليس نتيجة مبادرة أمريكية صرفة، سواء من قبل ترامب أو غيره.
واختتم حسين حديثه بأنه من الناحية الواقعية، لا توجد مؤشرات ميدانية حقيقية على قرب وقف العمليات العسكرية خلال أيام، فالوضع في غزة يشهد تصعيدًا عسكريًا مستمرًا، وتبدو الأطراف في حالة اشتباك مفتوح، دون وجود سقف زمني أو اتفاق مبدئي على تهدئة، مؤكدًا بأن الحديث عن وقف وشيك لإطلاق النار أقرب إلى رسالة دعائية موجهة للداخل الأمريكي، أكثر من أن تعكس اختراقًا دبلوماسيًا حقيقيًا على الأرض.