ذكاء اصطناعي بصبغة أردنية: فرصتنا في ريادة الشرق الأوسط الرقمي

نبض البلد -
ذكاء اصطناعي بصبغة أردنية: فرصتنا في ريادة الشرق الأوسط الرقمي
حسام الحوراني خبير الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي
في الوقت الذي تتسابق فيه دول العالم لقيادة الثورة الصناعية الرابعة، ويزداد فيه الاعتماد على الذكاء الاصطناعي كعمود فقري لمستقبل الاقتصاد والتكنولوجيا، يلوح في الأفق سؤال مفصلي: هل للأردن موقع في هذا السباق العالمي؟ بل، هل يمكن للأردن أن يتحول من مستهلك للتقنية إلى مساهم فاعل في تطويرها؟ الإجابة، بكل ثقة: نعم. ولدينا من الأسباب والمقومات ما يجعل الذكاء الاصطناعي بصبغة أردنية فرصة واقعية لريادة المنطقة رقميًا.
الأردن ليس دولة ضخمة من حيث الجغرافيا أو الموارد الطبيعية، لكنه غني بأغلى مورد يمكن لأي أمة أن تمتلكه: العقول. شبابنا الأردني يبرع في البرمجة، في علوم البيانات، في التصميم، في بناء النماذج الذكية، وفي فهم التحديات الإقليمية والإنسانية التي تحتاج إلى حلول حقيقية... مدفوعة بالتقنية، ومشكّلة بقيمنا المحلية.
اليوم، وبينما تُطوّر الدول أدوات ذكاء اصطناعي تناسب واقعها، حان الوقت لنطوّر أدوات تحمل بصمتنا نحن، وتخدم تحدياتنا نحن. ذكاء اصطناعي يفهم لغتنا العربية بإتقان، ويستوعب لهجاتنا، ويُحلل بياناتنا المجتمعية، ويقترح حلولًا تتوافق مع ثقافتنا وقيمنا. خوارزميات تُبنى في عمان، وتعالج مشاكل في العقبة، وتقدّم حلولًا لسكان الكرك والسلط ومعان، ولا تستورد "منهجية" جاهزة من وادي السيليكون لا تشبهنا.
لكن الأمر لا يقتصر على اللغة أو الثقافة. لدينا في الأردن فرص هائلة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في ميادين يمكن أن نصبح فيها روادًا لا تابعين. خذ قطاع التعليم على سبيل المثال: يمكننا أن نطوّر أنظمة ذكية تتنبأ بتعثر الطلبة وتوجههم لحلول مخصصة. في الرعاية الصحية، نستطيع بناء منصات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل صور الأشعة، وتقديم التشخيص المبكر في المناطق النائية. في المياه والطاقة والزراعة، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُحدث ثورة في إدارة الموارد المحدودة بكفاءة ذكية.
لكن كل ذلك يتطلب أمرًا أساسيًا: إرادة وطنية لتبنّي المشروع. فكما بُني الأردن بإرادة وصبر بعد كل تحدٍ، يمكننا الآن بناء مرحلة جديدة بإرادة معرفية ورؤية جريئة. رؤية تجعل من الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من السياسات العامة، من المناهج الدراسية، من أولويات التمويل، ومن استراتيجيات التوظيف.
نحتاج إلى جامعات تُخرج علماء بيانات ومهندسي خوارزميات، لا فقط حاملين لشهادات نظرية. إلى مؤسسات تمكّن الباحثين من العمل على بيانات حقيقية. إلى بيئة قانونية تنظّم الاستخدام وتحمي الخصوصية دون أن تخنق الابتكار. إلى رأس مال مغامر يؤمن أن الاستثمار في الخوارزمية ليس ترفًا، بل هو نفط المستقبل.
ولعل النقطة الأهم: نحتاج إلى سردية جديدة. نحتاج أن نُقنع أنفسنا أولًا أن الأردن قادر، أن الشاب الأردني قادر، أن الطالبة في جامعة الطفيلة أو إربد او الزيتونة او عمان الاهليه يمكنها أن تُطلق النموذج الذكي القادم في مجال الزراعة أو الطب أو اللغة. أن الريادة ليست حكرًا على وادي السيليكون، بل يمكن أن تُولد في وادي الأردن.
وهذا ليس خيالًا. فلدينا شباب أثبتوا ذلك. من ابتكارات في مجال الأمن السيبراني، إلى مشاريع ذكاء اصطناعي لمعالجة النصوص العربية، إلى شركات ناشئة تخطت حدود الأردن. لدينا كل ما يلزم: الكفاءة، الشغف، والإبداع… فقط نحتاج إلى الاحتضان والدفع للأمام.
تخيل لو أطلقت المملكة مشروعًا وطنيًا للذكاء الاصطناعي، يُدرب فيه الآلاف من الشباب سنويًا، وتُنشأ فيه مختبرات ابتكار مفتوحة في الجامعات والمدارس، ويتم من خلاله تحويل التحديات الوطنية إلى فرص مشاريع.
إن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية… بل فرصة لتجديد العقد بين الوطن وشبابه. فرصة لنُثبت أن في قلب كل شاب أردني، مهما ضاق به الحال، فكرة يمكن أن تغيّر العالم إذا وجدت من يسمعها ويؤمن بها.
من هنا، فإن الذكاء الاصطناعي بصبغة أردنية، ليس رفاهية، بل ضرورة وجودية. إما أن نكون صانعي أدواتنا، أو نبقى خاضعين لأدوات غيرنا. إما أن نكون في طليعة المستقبل، أو نُدفن في ماضي التقنية.