سياسيون: الملك يُعلي أمام البرلمان الأوروبي راية القيم والعدالة الإنسانية بديلا أوحد لفائض القوة
نبض البلد - بشرى نيروخ- في خطابٍ تاريخي أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ بفرنسا أمس الثلاثاء، وجه جلالة الملك عبدالله الثاني رسالة قوية للعالم مفادها أن السلام الحقيقي لا يتحقق إلا بالعدالة والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، محذرا جلالته من أن الفكر القائم على القوة العسكرية كما تفعل إسرائيل، لن يحقق الأمن والاستقرار، بل سيزيد من تفاقم الصراعات في المنطقة والعالم.
وأشار جلالته إلى تداعيات التصعيد الإسرائيلي الإيراني والذي فتح جبهة حرب جديدة بلا حدود واضحة، مشددا على أن السلام والأمن لا يتحققان إلا بمنطق العدالة والقيم الإنسانية، وليس بالقوة والغطرسة.
خبراء في الشأن السياسي، أكدوا في أحاديثهم لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) أن خطاب جلالة الملك أمام البرلمان الاوروبي الذي يعتبر الأردن شريكا موثوقاً، هو وثيقة هامة وشاملة تقدم مقاربة عملية وعادلة لإنهاء الأزمات المتتالية في المنطقة، وتعكس رؤية واضحة وشجاعة تجاه قضايا المنطقة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
وبينوا أن خطاب جلالته كان من الضمير إلى الضمير وموجها الى ضمير العالم، مذكرا بأن الشعوب لا يمكن أن تُقهر إلى الأبد، وأن الحروب لا تأتي بالسلام ولا بالازدهار.
العين محمد داودية، رئيس لجنة الإعلام والتوجيه الوطني في مجلس الأعيان قال: إن جلالة الملك عبدالله الثاني وهو يجوب دول العالم، لا يوفر فرصة اتصال ثمينة إلا ويغتنمها من أجل القضية الكبرى التي تشغله، ألا وهي قضية السلام، التي تقع القضية الفلسطينية في صلبها.
وأشار داودية إلى أنه في الوقت الذي يحتاج فيه العالم إلى إقرار الكيان الإسرائيلي والاعتراف والإذعان بأن فائض القوة التي يستخدمها بإفراط طيلة عقود لم تحقق له الأمن والاستقرار، تفتح إسرائيل جبهة حرب جديدة، وتشن عدوانا وحربًا على إيران "لا يمكن معرفة أين ستنتهي حدودها" كما وصفه جلالة الملك في خطابه الذي وضع فيه النقاط على كل الحروف بوضوح ما بعده وضوح أمام البرلمان الأوروبي أمس.
وفي الوقت الذي تسود فيه لغة الصفقات، وتكاد تتسيد السلوك العالمي، يقول داودية، يرفع جلالة الملك راية الأخلاق والقيم والمُثل التي طمسها الإعلام العالمي المتصهين، وشوّهها، ليصبح الجاني مجنيا عليه، والذبيح جلادّا معتديًا!!
ولفت إلى أن خطاب الملك سلط الأضواء مجددًا على مأساة قطاع غزة، وجرائم المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، مُعظِمًا من فرص الأمل في معاودة طريق السلام وحاثًا على التحلي بالشجاعة لسلوكه مجددًا.
وقال: لقد بات العالم عامة، والاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص، يتخذ من الأردن شريكًا قويًا موثوقًا، تقف الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس في صلب واجباته النبيلة.
وركز على أن هذا بيان للعالم الذي بدأ وعيه وضميره في الاستفاقة، وينحو سريعًا نحو نبذ السلوك الإسرائيلي مرتكب جرائم الإبادة الجماعية أمام سمع العالم وبصره دون أن يخشى أحدًا أو يرتدع، لأنه مطمئن إلى حماية صلبة، لا يخشى معها الحساب والعقاب.
ويضيف داودية: "هذا هو الملك الهاشمي، وهذا هو الأردن العربي، يقف طودًا راسخًا، مع الحق والعدل والسلام، ومع حقوق الشعب العربي الفلسطيني التي لن يطول عليها الظلم والظلام".
أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية الدكتور أيمن البراسنة يلفت الى أن جلالة الملك وهو يُلقي خطابًا أمام البرلمان الأوروبي فإنما يعكس صوت الأردن الذي يدعو لتحقيق السلام الإقليمي في المنطقة ووقف الحروب التي تشهدها المنطقة، خاصة في ظل التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل.
وأكد البراسنة أن الخطاب الملكي وهو الخطاب الرسمي السادس الذي يُدعى جلالة الملك لإلقائه أمام البرلمان الأوروبي، كان تاريخيا ويؤكد مكانة الأردن المحورية في تعزيز الجهد الدبلوماسي والتعاون والحوار بين أوروبا والشرق الأوسط خاصة في ظل التسارع الدراماتيكي في الأحداث.
وأشار الى أن خطاب الملك ركز على محاور هي الأكثر أهمية على رأسها وقف الحروب والنزاعات التي تهدد أمن واستقرار المنطقة والعالم برمته، والتذكير بالثوابت الأردنية كما هي في فكر جلالته لا سيما الدعوة إلى إحلال السلام في الشرق الأوسط، ما يتطلب بالضرورة التوصل إلى حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية بالاستناد إلى حل الدولتين الذي لطالما دعا له الأردن، وتعزيز الاحترام المتبادل بين الثقافات، والحوار بين الأديان ومواجهة التطرف والإرهاب في المنطقة.
وأضاف البراسنة، إن القضية الفلسطينية أولوية في الخطاب مع التركيز على إيقاف الحرب الدائرة في قطاع غزة والتحذير من التصعيد في الضفة الغربية من قبل حكومة الليكود المتطرفة.
وقال: "يعكس خطاب الملك اليوم صوتًا استراتيجيًا يعزز الشراكة بين الأردن والاتحاد الأوروبي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، ودعم حقوق الإنسان، مشيرا الى أن الصوت الأردني هو الأكثر ثباتًا وتأثيرا خاصة في مخاطبة المجتمع الأوروبي ويوجه الملك رسائل إلى مؤسسات الفكر والرأي والمنصات الإعلامية والمؤسسات الفكرية.
وبين البراسنة أن الجهود الدبلوماسية الأردنية هي جهود حثيثة ومنقطعة النظير، وجهد جلالة الملك في التعريف بقضايا المنطقة وانعكاساتها على أمن واستقرار المنطقة هو من الأهمية بمكان، ذلك أن زيارة جلالة الملك إلى ستراسبورغ الفرنسية تحظى باهتمام واسع النطاق.
المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة الرأي السابق مجيد عصفور قال: إن جلالة الملك خاطب ضمير العالم، وذكّر بأن الشعوب لا يمكن أن تُقهر إلى الأبد، وذكّر بأن الحروب لا تأتي بالسلام ولا بالازدهار، وأشار جلالته الى أن أوروبا اختارت بعد الحرب العالمية الثانية طريق الإعمار، وتجاوزت الثأر والانتقام، وسعت نحو مستقبل آمن لشعوبها يضمن ازدهار الأجيال القادمة.
وأضاف، تحدث جلالة الملك عن التحديات التي يرددها العالم كشعارات دون أن يترجمها إلى أفعال، وذكّر بأن الأردن كان في مقدمة الدول التي تصدت للأزمات بدءا من جائحة كورونا ومن ثم العدوان الغاشم على الأشقاء في غزة حيث قدم المساعدات الإنسانية لهم، وأرسل المستشفيات الميدانية والمواد الغذائية برًا وجوًا، وقام بدوره في مساعدة الأشقاء في غزة.
وأشار عصفور الى أن جلالة الملك يؤكد في كل خطاباته على ضرورة أن يعود العالم إلى رشده والتعامل الأخلاقي مع القضايا والتحديات والأزمات وأن يسلك طريق الحوار والمصالح المشتركة للجميع دون إقصاء أو هيمنة، مثلما يركز جلالته على البعد الإنساني وتجنيب الشعوب والأجيال المقبلة ويلات الحروب والأطماع.
وقال الكاتب فيصل ملكاوي إن خطاب جلالة الملك أمام أعضاء البرلمان الأوروبي وثيقة هامة وشاملة في توقيت هام وحاسم تمر به المنطقة، ويقدم مقاربة عملية وعادلة لإنهاء الأزمات والصراعات المتتالية في المنطقة والتأكيد على القضية الفلسطينية القضية المركزية في المنطقة.
وأشار ملكاوي الى أن جلالة الملك، يصر بدبلوماسيته الحكيمة ومكانته المحترمة لدى دول العالم وشعوبها، على إبقاء القضية الفلسطينية في الصدارة، داعيا المجتمع العالمي الى الارتقاء بأخلاقياته وقيمه القانونية والدولية والإنسانية في معالجة الأزمات.
وأشار جلالته الى ان العالم خذل غزة والضفة الغربية والقضية الفلسطينية في ظل ما تشهده من عدوان إسرائيلي صارخ وحرب إبادة تشمل كل شيء.
وبين الملكاوي أن خطاب جلالة الملك تميز بلغة يفهمها الأوروبيون، شعوباً وبرلمانات وحكومات، واستعاد جلالته بخطابه، في مقاربة لافتة ومهمة، اللحظة التاريخية التي اختار فيها الأوروبيون بعد الحرب العالمية الثانية تجاوز الماضي ومنطق القوة والاستبداد والكراهية، نحو قيم العدالة والقانون الدولي والأخلاق، مشيرا جلالته الى أن القضية الفلسطينية، بأمس الحاجة إلى استعادة هذه القيم للوصول إلى حلول عادلة بمنطق يقوم على الكرامة والأخلاق والمبادئ الإنسانية.
وأشار جلالة الملك في سياق تشخيصه للمواجهة العسكرية بين ايران واسرائيل، إلى أن تغييب القيم الأخلاقية والتوازن العقلاني قد يؤدي إلى تفاقم الصراعات والنزاعات وآلام المنطقة بأسرها.
--(بترا)