خطر التصعيد يتسع .. والعين على طاولة المفاوضات

نبض البلد -

 

الشوبكي: التعقيدات الإقليمية تضعف فرص التهدئة وتحبط تأثير الردع الإيراني

جبر: "سلق" مفاوضات قصيرة تطفئ الحرائق دون معالجة جذرية

 

الطماوي: نتائج الصراع ستعيد تشكيل معادلة القوة في الإقليم لعقود

 

رزان السيد

 

في خضم تصعيد غير مسبوق بين إيران والاحتلال الصهيوني، ومع تشابك الجبهات من غزة إلى العراق ولبنان، تبرز تساؤلات محورية حول مصير التهدئة الإقليمية، وفي مقدمتها، هل سيدرج وقف إطلاق النار ضمن الأولويات، أم أن الحسابات الاستراتيجية والميدانية ستبقي المنطقة على صفيح ساخن؟

 

وبينما تتكثف الوساطات وتتصاعد الدعوات لاحتواء التصعيد، تشير المعطيات إلى أن قرار الحرب أو السلم لم يعد حكرا على طرف بعينه، فإيران، بكل أدواتها الإقليمية باتت لاعبا لا يمكن تجاوزه، في حين يحكم الاحتلال قبضته على مسارات التفاوض، مدفوعا باعتبارات داخلية وتحالفات دولية معقدة.

 

ويرى محللون بأن وقف إطلاق النار قد يكون مطروحا كخيار ضروري لتفادي انفجار إقليمي شامل، لكنه سيظل رهينة لتوازنات دولية متشابكة، ومصالح متضاربة بين أطراف الصراع، وأشار بعضهم إلى أن إيران دخلت المواجهة برد فعل اضطراري، بينما أعتبر آخرون أن الاحتلال يدرك خطورة توسيع رقعة الحرب، مما يجعل التهدئة احتمالا واقعيا، لكن مؤقتا، بانتظار صفقة أكبر ترسم ملامح المرحلة المقبلة.

 

 

تصعيد معقد يربك مسار التهدئة بغزة

 

أوضح المحلل الأمني والسياسي، محسن الشوبكي، بأن التصعيد بين إيران والكيان الصهيوني يرسخ معادلة إقليمية أكثر تعقيدا، حيث تتداخل الحسابات العسكرية مع الاعتبارات السياسية والدبلوماسية، ورغم استمرار التفاوض حول وقف إطلاق النار في غزة، فإن التعنت الصهيوني ومطالب المقاومة بضمانات دولية تعكس مخاوف حقيقية بشأن استدامة الاتفاق.

وأشار الشوبكي لـ "الأنباط"، أنه في ظل هذه المعادلات، لا يمكن اعتبار تنامي قوة إيران عاملا حاسما في تحديد مسار وقف إطلاق النار، خاصة أن الكيان الصهيوني يروج لرواية انتصاره في سبع جبهات متزامنة، مما يجعل الحديث عن تأثير إيراني مباشر سابق لأوانه.

وتابع، ان استراتيجية إيران في إدارة الضربات العسكرية المتبادلة مع الكيان ترتكز على تحقيق توازن دقيق بين الردع وتجنب الحرب الشاملة، مع الحفاظ على نفوذها الإقليمي وحماية برنامجها النووي كركيزة أساسية للردع، مؤكدا أنه خلال المرحلة القادمة، قد تلجأ إيران إلى تعزيز أدواتها غير المباشرة مثل الهجمات السيبرانية أو تصعيد الدعم لادواتها في الاقليم للضغط على الكيان دون الانجرار لمواجهة مباشرة، كما أن إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة يشير إلى رغبة إيرانية في التحكم بإيقاع التصعيد دون تجاوز الحد الذي قد يهدد استقرار النظام داخليا، وأضاف بأن هذا التوجه يفرض على إيران إعادة تقييم تكتيكاتها وفقا للمتغيرات المتسارعة.

 

العراق تتجنب نيران التصعيد

 

وقال الشوبكي بأن الملف العراقي يمثل تحديا معقّدا، إذ يوازن العراق بين موقفه الرافض للكيان الصهيوني والتزاماته بمعاهداته مع الولايات المتحدة وعلاقاته الاستراتيجية مع إيران، مشيرا الى أن التحركات العراقية الأخيرة، من المطالبة بمنع الطيران الإسرائيلي مرورا بتقديم الشكاوى وصولًا إلى ضبط مواقف الفصائل المسلحة، تعكس محاولة لتجنيب العراق تداعيات مباشرة للصراع.

وتابع، مستقبليا، يبقى السؤال حول إمكانية استخدام الفصائل العراقية المسلحة في التصعيد، خاصة أن الكيان يعتبرها جزءًا من محور المقاومة، لكن تصاعد الخلافات السياسية داخل الكيان، قد يدفع نتنياهو نحو استهداف هذه الفصائل لتعزيز موقعه الداخلي، مشيرا الى ان أي تحرك ضد العراق سيكون مشروطًا بالموافقة الأمريكية، مما يجعل معادلة الردع أكثر تعقيدًا.

 

إيران .. تدخل اضطراري

 

وقالت أستاذة العلوم السياسية والمختصة بالشأن الفلسطيني، الدكتورة أريج جبر، أن إيران لم تدخل بشكل إرادي إلى جبهة الصراع، ولم تتورط بملء إرادتها في التصعيد العسكري الأخير، بل جرى استدراجها من خلال سياسات الكيان الصهيوني التي دفعتها إلى ساحة المواجهة، ما جعل التدخل الإيراني أشبه برد فعل اضطراري.

وأضافت جبر لـ "الأنباط"، أن إيران رأت ضرورة الدفاع عن مصالحها السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، وأرادت أن تؤكد سيادتها على أدوات قوتها الشاملة، إضافة إلى إبراز قدرتها كقوة وازنة قادرة على تغيير المعادلة الصراعية مع الكيان المحتل، حيث استعادت القدرة على توجيه ضربات مميتة وقاتلة للكيان، وأعادت بعضا من مهابة الردع، وأثبتت أن تهديداتها السابقة لم تكن مجرد تصريحات جوفاء، بل إنها قادرة فعلا على ضبط إيقاع المرحلة، ولو عبر التصعيد العسكري.

 

وأشارت إلى أن كل تصعيد من قبل الكيان المحتل سيقابله تصعيد مماثل من قبل إيران، وأن طهران لن تكون المبادر إلى التهدئة أو إلى الجلوس على مائدة مفاوضات، سواء فيما يتعلق ببرنامجها النووي، أو قدراتها الصاروخية، أو حتى أدوارها في المنطقة.

 

وذكرت أن إيران تدرك بأن الأذرع التابعة لها مثل حزب الله، وقوى المقاومة في سوريا والعراق، وحتى اليمن، أصبحت اليوم تحت سياسات الدول التي تتواجد فيها، فكل هذه الأطراف تؤكد أنها لن تشكل خطرا على دولها، وخاصة حزب الله الذي يصر على أنه يعمل تحت سيادة الدولة اللبنانية.

بالتالي، أصبحت إيران في مرمى المواجهة المباشرة، ورغم ذلك، ترى جبر أن هذا التصعيد كان بمثابة درس قاسٍ للكيان المحتل، الذي اعتاد تصوير جيشه على أنه لا يقهَر، وأنه القوة العظمى الوحيدة في المنطقة، بينما الواقع أظهر العكس.

وتابعت بأن هناك محاولات لإعادة احتواء إيران وتصويرها كدولة طبيعية لا تملك أدوات تهديد وجودي للكيان، ولكن ما جرى أكد أن إيران تشكل بالفعل تهديدا له، لذلك ترى أن التصعيد سيعقبه على الأغلب جهود للتهدئة والعودة إلى المفاوضات، بهدف احتواء الموقف وتجنب أزمة إقليمية أو حتى عالمية.

وحول إمكانية إدخال وقف إطلاق النار إلى طاولة المفاوضات، ترى جبر أن هناك إمكانية حقيقية لإدخال موضوع وقف إطلاق النار إلى طاولة المفاوضات، مشيرة إلى أن المساعي الدبلوماسية لم تهدأ، وتشمل جبهات متعددة من غزة والضفة الغربية إلى الصدام المباشر بين إيران والكيان المحتل.

وبينت أن تدخل إيران في المعركة أحدث تغيرا في توازن القوى، خاصة مع دخول أطراف دولية كبرى مثل روسيا، الصين، وباكستان، على خط الوساطة أو الدعم السياسي والعسكري لإيران، في حين تقف دول كفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة إلى جانب الكيان المحتل.

وأضافت أن تعدد هذه الأقطاب أوجد ضرورة لتغيير معادلة القوة العالمية، بل وتغيير مفهوم توازنات الردع، ورغم تعقيد الشروط، فإن خيار التهدئة يبقى مطروحا، بل ويعد الأفضل في ظل الأزمات العالمية المتشابكة.

 

جهود اقليمية ودولية

 

ذكرت جبر أن هناك تحركات دبلوماسية تقودها قطر ومصر لمتابعة المقترحات بشأن التهدئة، وتقديم التعديلات اللازمة، والضغط لإنقاذ المدنيين في غزة من آلة الحرب الإسرائيلية، خاصة مع انشغال العالم بإيران، مشيرة إلى أن هذه الجرائم تزداد حدة في الضفة أيضا.

ولفتت إلى أن الاحتلال بدأ يدرك حجم القوة التي تمتلكها إيران، والتي ترجمت إلى أفعال عسكرية مؤثرة وصواريخ نوعية أربكت الحسابات، وأكدت أن هناك اختراقا متبادلاً بين الطرفين، مما زاد من إدراك الكيان والولايات المتحدة لحجم المخاطر والتكاليف.

 

التحولات داخل إسرائيل

وأضافت أن إيران ليست وحدها في الميدان، فهناك جبهات تدعمها وتساندها، إلى جانب تحولات في بعض المواقف العربية التي وصفت تصرفات الاحتلال "بالحمقاء".

رغم ذلك، شددت على أن وقف إطلاق النار ينظر إليه كحل مرحلي، وليس دائما، حيث يستخدم أحيانا لتوجيه الاتهام لإيران بأنها تهدد السلم الدولي عبر برنامجها النووي السلمي، في حين أن الكيان هو من استباح فلسطين والمنطقة العربية منذ أكثر من سبعة عقود.

وفيما يتعلق بطبيعة المفاوضات، أوضحت بأنه لا يمكن أن تتم في مسار تفاوضي واحد، بل عبر مسارات متعددة، نظرا لتنوع أطراف النزاع وتعقيد مصالحهم، وقالت إن القوى المؤثرة في العالم تتعمد فصل الملفات، لتحجيم الوحدة المحتملة بين هذه الأطراف، وبالتالي السيطرة على شروط كل طرف على حدة.

وأضافت: "فرص نجاح المفاوضات بدأت تتنامى، خاصة مع إدراك الولايات المتحدة والكيان لحجم التهديدات والتحديات"، لكنها ربطت نجاح المفاوضات بوجود روافع حقيقية، منها إدراك واشنطن لتأثير الحرب على الطاقة وأسعار النفط والمضائق المائية المهمة، إلى جانب تدخل قوى مثل الصين وباكستان.

في المقابل، ذكرت أن هناك معوقات رئيسية، أبرزها فشل مجلس الأمن في اتخاذ قرارات ملزمة بسبب الفيتو الأمريكي، إضافة إلى إصرار الولايات المتحدة على تفكيك ملفات التفاوض وجعلها مجزأة، بما يبعدها عن التزامات دولية واضحة، كما نبهت إلى أن الربط بين إيران والقضية الفلسطينية هو في جانب منه سياسي، بينما الواقع يعكس صراع مصالح ونفوذ وهيمنة مشيرة إلى أن تعدد الجبهات المتوترة في المنطقة من اليمن، إلى غزة، إلى لبنان وسوريا، يجعل من السلام الشامل والمستدام أمرا صعبا، ويدفع باتجاه "سلق" مفاوضات قصيرة المدى تطفئ الحرائق دون معالجة جذرية، مشيرة الى أن هناك تصدعا في القرار السياسي الدولي، وضعفا في أداء المؤسسات الأممية والمحاكم الدولية، ما يضعف فرص الوصول إلى حلول قابلة للتطبيق.

واضافت، أن خريطة الطريق نحو سلام حقيقي تحتاج إلى إرادة سياسية من القوى الوازنة، وضغط على الولايات المتحدة لتكف عن دعم الكيان المحتل بشكل غير مشروط، ولتتحول إلى وسيط نزيه، وأضافت أنه يجب على الأمم المتحدة اتخاذ موقف حقيقي، قد يصل إلى تجميد الاعتراف بالكيان المحتل الذي يهدد الأمن والسلم

 

مفاوضات وتفاهمات.. ونار متقدة

 

اشار المحلل السياسي، الدكتور محمد الطماوي، في حديثه لـ "الأنباط"، انه ومع تصاعد التوترات في قطاع غزة وتهديدات الكيان الصهيوني بتوسيع نطاق الحرب إلى العراق وربما ساحات أخرى، تصبح فكرة إدخال وقف إطلاق النار إلى طاولة المفاوضات أمرا واردا، وإن كان ذلك لا يزال مشروطا بجملة من التوازنات المعقدة، ف إيران، بوصفها لاعبا إقليميا فاعلا، تملك تأثيرا حقيقيا على أطراف عديدة في المحور المناهض للاحتلال، وتستطيع من خلال قنواتها أن تضغط باتجاه خفض التصعيد، إذا ما كانت هناك مكاسب سياسية حقيقية مطروحة.

 

وأكد الطماوي بأن الاحتلال الصهيوني يدرك أن توسيع رقعة المواجهة قد يفتح عليها جبهات يصعب التحكم بها، ما يجعل وقف إطلاق النار خيارا مطروحا لا تسوية نهائية إذا اقتضت الضرورة الاستراتيجية، وتابع قائلا: "لكن السؤال الأساسي هو، هل يمتلك المجتمع الدولي فعليا الأدوات الكافية لفرض وقف للحرب؟"

وأوضح بأن الأدوات موجودة ولكن الإرادة منقسمة، القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا، التي تملك وسائل الضغط عبر العقوبات، والمساعدات، وقرارات مجلس الأمن، والتفاوض غير المباشر عبر وكلاء إقليميين مثل قطر وسلطنة عمان، إلا أن الانقسام الجيوسياسي، لا سيما في ظل الحرب الأوكرانية والصراع على النفوذ في الشرق الأوسط، يجعل هذه الأدوات عاجزة عن فرض تسوية ما لم تهدد الحرب القائمة مصالح تلك القوى نفسها، مثل أمن الطاقة أو طرق الملاحة.

وبين أنه في حال نضجت الظروف لانطلاق مفاوضات إقليمية موسعة، فإن موازين القوى في المنطقة قد تشهد تحولا كبيرا، إذ أن مثل هذه المفاوضات، إن شملت أطرافا متعددة، ستفضي بالضرورة إلى اعتراف ضمني بأن إيران قوة لا يمكن عزلها أو تجاوزها، كما ستجبر الاحتلال على التعامل مع مخرجات الصراع بشكل أكثر براجماتية.

 

وأضاف، هذه المفاوضات قد تفضي إلى تفاهمات سياسية جديدة حول الضفة الغربية، أو ترتيبات أمنية جماعية بشأن لبنان وسوريا، وهي لن تنهي بالضرورة جذور الصراع، لكنها قد تفرض توازن ردع جديد يمنع أحد الأطراف من التفرد بقرارات الحرب والسلام.

 

ويعتقد الطماوي بأن الخيارات تبدو مفتوحة على جميع الاحتمالات، تصعيد أوسع، أو تفاهمات مؤقتة، أو حتى صفقات جزئية لاحتواء النار دون إخمادها بالكامل، مؤكدا بأن الشرق الأوسط يقف اليوم عند مفترق طرق حاسم، ونتائج هذا الصراع ستعيد تشكيل معادلة القوة في الإقليم لعقود قادمة.