الإستنزاف المتبادل ...

نبض البلد -
الإستنزاف المتبادل ...

الثورة في ايران، واليمين في الكيان، هل تحمل كلتا الحالتين تلك الصفة الإيدولوجية التي توصل كل طرف فيهما إلى نهايته، لقد عاش العالم العربي وحوض البحر الإبيض المتوسط صراعا ازليا على النفوذ، واليوم يشهد تجاذبا يأخذ الصراع بعدا إيدولوجيا وانقساما واضحا، ولكني سأركز هنا على التشابه الإيدولوجي بين الكيان وإيران، فكلا المشروعين سعى إلى إعادة تشكيل المنطقة على اساس ايدولوجي عقدي، ولكن المنطقة كاملة تدفع الثمن، وسؤال المليون هو إلى إي درجة تستطيع هذه التدول تحمّل الإستنزاف الناتج عن هذا التوجه؟

بداية مع سعي العلمانيين المؤسسين للكيان إلى دولة يودهية، ولكن كان في إعبتارتهم الصورة والنمط الغربي والمراعاة للقيم الغربية في التعامل البيني طبعا، وإظهار الجوانب الإنساني للمأساة التي تعرض لها اليوهد، وانهم يسعون لدولة غربية في هذا العالم الشرقي المتخلف، وكانت الدولة ذات أسس علمانية وطبيعة علمانية، تم اختطافها لاحقا من قبل اليمين الذي لم يقدم الكثير سابقا، وما زال لا يقدم الكثير، ولكنه الأعلى صوتا والأكثر عددا، فالمرأة الحريدية تلد ما معدله ستة في مقابل اثنين، والأكثر تفرغا، فمعظمهم لا يعمل في شيء سوى قراءة التوراة والكتب الدينية، في المقابل كات تخسر الأحزاب اليسارية المعركة، وهنا استغل النتن ياهو الوضع لصالحه.

في المقابل كانت الثورة الإيرانية تسعى إلى تصدير فكر الثورة بصورة سلمية في البداية، إلى ان حدثت الحرب العراقية الإيرانية، وهنا ظهر في الفلسفة الإستراتيجية الإيرانية مصطلح العمق الإستراتيجي المفقود، والسعي من خلال قيادة الثورة إلى تأسيس فليق القدس، وبدأ رجال مثل احمد متوسليان ومحسن رضائي العمل على تأسيس حزب الله في بداية الثمانينات، ولكن المهندس الفعلي للمليشات كان قاسم سليماني، الذي نقل هذه الفكرة وهندسها وجعلها اجنحة مترابطة ونزل بنفسه إلى ارض الميدان، واستغل وضع الشيعة في كل بقعة ممكنة خارج ايران لصناعة هذه المليشيات، وبعدها اصبحت هذه تتبع له مباشرة وتأتمر بأمره.

في الكيان علقت المؤسسات وتم اعادة هندستها في خدمة افكار اليمين، وهناك علقت الدولة في خدمة ولاية الفقيه والثورة، وبدأت حالة التفكك، فالعلمانيون يقابلون القوميين المتدينين في الكيان، وهناك رجال الفقية يقابلون شبابا ساخطا يرفض الهمينة والوصاية، وهنا مظاهرات وهناك حركات احتجاج، وهنا تفككت احزاب الوسط واليسار، ولم تستطع مقاومة القوى اليمينية المتطرفة في الكيان، وهناك تيارات غاضبة ومشاعر ثائرة تسيطر على الشارع الأيراني، المؤسسات الأمنية في الجهتين قوية، وتستنزف قدرات البلد.

 ولكن الكيان اقدر على التعامل مع الضغوطات المالية، نتيجة للموقف المالي القوي داخليا وخارجيا، ولكن التحدي في ان العلمانيين هم من يمسك زمام هذا الأمر، وهم من يغادر البلاد حاليا، وتقل نسبتهم مقارنة مع اليمنيين الذين هم في الأصل عالّة على الكيان، وفي ايران نظام الملالي هو من يستنزف مقدرات البلد، ويصرفها في مشاريعه الثورية التوسعية، والبلد تعيش في ضائقة مالية كبيرة على مختلف المستويات، والباطلة ترتفع لأرقام قياسية، ويعاني المواطن من ظروف معيشية صعبة. 

وهنا يظهر بوضوح حجم المعاناة مع اختلاف في الأثر طبعا، حيث يعاني المواطن الإيراني بقوة نتيجة لما يقوم به نظام الملالي، وهناك ايضا تكبر المعاناة يوميا نتيجة لما تقوم به الجماعات اليمنية المتطرفة في الكيان، علما بأن القرار الاخير الذي ابقى النتن ياهو في السلطة كان يقوم على ارضاء الحريدم، وهو عدم تجنيدهم في الجيش حيث يرفضون العمل المدني والخدمة العسكرية ودفع الضرائب، بل يأخذون اموالا من الكيان، والمفارقة ان قرار الإستمرار في الحروب يتخذه ويتبناه بقوة اليمين، ويدفع تكاليفه البشرية والمالية العلمانيون والأقل تدينا في الكيان، وهنا يعيش الكيان حالة من الإنقسام الحاد، نعم يختفي ذلك او يقل بشكل كبير في ظل الحروب التي يشعلها اليمين هنا وهناك، ولكن الإنقسام كبير والمظاهرات التي تخرج مناهضة لما يقوم به النتن ياهو كبيرة، لا بل يسعى النتن ياهو إلى السيطرة على القضاء من خلال ما يزعم انه اصلاح للقضاء، حتى تكون هذه هي الضربة القاضية تجاه الفئة الأخرى، والتي يزعم بأنها هي الدولة العميقة التي تسيطر على الدولة، وتمنعه من تحقيق أهدافه، واهداف اليمين الذي يقوده. 

وهنا هل تكون الإيدولوجيا التي تحرك الطرفين سببا في إستنزافهما معا، او على الأقل تسرع في نهايتهما، فهذه الحالة تستنزف المقدارت والقدرات، وتدخل الطرفين في تضخم ايدولوجي يستهلكهما، ويحرمهما من نقاط القوة والدعم، ولكن الغائب هنا هو المشروع السني الذي من الممكن ان يستفيد من الوضع القائم، وتكون له قوة استراتيجة وسياسية وعسكرية، لو إستطاع ان يجد توليفه، يوحد من خلالها جهوده الضائعة، ويحصل بعض من حقوقه المسلوبة . 

ابراهيم أبو حويله ...