نبض البلد - بني مصطفى: انكشاف الأسرة للمجتمع يهدد ثقة الطفل بنفسه وتكيفه مع الحياة الاجتماعية
قواقزة: الزواج المبكر والبطالة والفقر وتدخل الأهل والعنف الأسري أبرز أسباب الطلاق
آية شرف الدين
لم تعد خصوصية الأسرة تُهدَّد من داخل جدران البيت فقط، بل أصبحت عرضةً للانكشاف أمام الأقارب والمعارف، بل وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وسط تنامٍ لثقافة "الفضفضة” الرقمية التي تحوّل الخلافات الشخصية إلى مادة للعرض العام، وتهزّ أركان الأسرة وتترك الأطفال في مهب التشتت النفسي والاجتماعي.
ويرى خبراء أن الطلاق في الأردن يشكل واقعًا مقلقًا، لا سيما مع تصاعد نسب الانفصال في السنوات الأولى من الزواج، محذرين من أن الأطفال هم الضحية الأبرز في هذه النزاعات.
الاستشارية النفسية والتربوية د. مرام بني مصطفى حذّرت في حديثها لـ”الأنباط” من أن انكشاف الأسرة أمام المجتمع، سواء في المجالس الخاصة أو على منصات التواصل، له تبعات خطيرة على الأبناء. فوفقًا لنظرية الارتباط العاطفي لجون بولبي، يحتاج الطفل إلى صورة مستقرة وآمنة عن والديه. وإذا تعرض أحد الأبوين للتجريح أو التشهير من الطرف الآخر، فإن هذه الصورة تنهار، ويفقد الطفل ثقته ليس فقط بأسرته، بل بالعلاقات الاجتماعية ككل.
وأضافت أن للمراهقين نصيبًا أكبر من الألم في حال انكشاف أسرار الأسرة، إذ يشعرون بالعار والحرج، ويفقدون الانتماء، ما يدفعهم إما للانعزال أو للتمرد. واستشهدت بني مصطفى بدراسة منشورة عام 2020 في Journal of Adolescent تؤكد أن المراهقين الذين عاشوا تجارب انكشاف أسرار أسرهم يعانون من ضعف التكيف الاجتماعي وثقة منخفضة بالنفس.
وتشير بني مصطفى إلى أن المجتمع العربي يحتكم إلى قيمة "سترة البيت”، وأن نشر خلافات الأسرة علنًا يُضعف من سمعة العائلة، ويقوّض الدعم المجتمعي الذي يُعد ضروريًا في الأزمات. ولفتت إلى دراسة للجمعية الأميركية لعلم النفس (APA) بيّنت أن الأفراد الذين يشاركون خلافاتهم الزوجية على الإنترنت يعانون من مستويات أعلى من القلق والاكتئاب.
وترى أن الحل يبدأ من داخل المنزل، بتعليم الأبناء احترام خصوصية الأسرة، والامتناع عن مناقشة المشكلات العائلية أمامهم أو أمام الغرباء، داعية إلى اللجوء إلى مستشارين نفسيين مختصين بدلًا من شبكات التواصل أو الأقارب.
الانفصال بين الواقع والقانون
من جانبه، أوضح المستشار القانوني المحامي شهم قواقزة أن الطلاق والخلع في الأردن يشكلان واقعًا مقلقًا، لا سيما مع تصاعد نسب الانفصال في السنوات الأولى من الزواج، مشيرًا إلى أن الخُلع بات في ازدياد، خاصة لدى النساء الباحثات عن السلام النفسي.
وبيّن أن أسباب الطلاق متنوعة، أبرزها الزواج المبكر، والبطالة، والفقر، وتدخل الأهل، والعنف الأسري، والإدمان، مشيرًا إلى أن هذه القضايا لم تعد فقط مشكلات زوجية، بل تحولت إلى تهديد للاستقرار المجتمعي.
وحذّر قواقزة من أن الأطفال هم الضحية الأبرز في هذه النزاعات، مؤكدًا أن كلا الطرفين – الزوج والزوجة – يتحملان مسؤولية الفشل في التواصل أو الاستعانة بأطراف خارجية تؤجج الصراع.
وفيما يتعلق بحقوق الأطفال بعد الطلاق، شدد على أن القانون الأردني لا يُجحف بحق أي طرف، وأن الحضانة غالبًا ما تكون للأم، إلا أن التنفيذ يواجه عراقيل عملية. كما أكد أن من يمنع الطرف الآخر من رؤية أطفاله يُخالف القانون، ويُعاقب بالغرامة أو حتى بالحبس البسيط.
وختم قواقزة بالتشديد على أن "الأطفال لهم حق في والديهم، فلا تجعلوا الخلافات سببًا في حرمانهم من هذا الحق المقدس”، داعيًا إلى تغليب المصلحة العليا للأسرة والأبناء على الرغبات الشخصية العابرة.