بين عقلانية الدولة الأردنية ومنطق الفوضى الإقليمية

نبض البلد -


أحمد الضرابعة

يفتقر التكوين الفكري للمؤدلجين العرب الذين عاشوا في بيئات "محور المقاومة" وميليشياتها والمتعاقدين معها لفهم القواعد الأولية في علم السياسة والقانون الدولي، فتجدهم ينضحون في وسائل التواصل الاجتماعي قناعاتهم التي تتسم بالمغالطات المنطقية والتفسيرات المختزلة للواقع السياسي.

من الأمثلة على ذلك، أنهم يكفرون بالدول التي تؤمن بالعقلانية في التفاعل مع المتغيرات الإقليمية ولا تتبنى منطق الميليشيا والفوضى، كالأردن التي تتبع نهجًا سياسيًا قائمًا على الالتزام بالقانون الدولي والعلاقات المتوازنة، بدلًا من الانخراط في منطق العسكرة والاستقطاب العاطفي وسياسات المحاور، والتي يطالبونها اليوم بالتوقف عن العمل كدولة تحمي سيادتها والنزول إلى ما هو أدنى من ذلك، والعمل كميليشيا تجهل طبيعة الدولة الحديثة والتزاماتها ولا تهتم بشرعيتها على المستوى المحلي أو الدولي.

هؤلاء المؤدلجون المفصولون عن الواقع يرون في السياسة الأردنية ضعفًا أو انحيازًا، ولكنهم يجهلون حقيقة أن الدول الملتزمة بنهج المؤسسات واحترام القوانين الدولية غالبًا ما تحافظ على استقرارها الداخلي ومصالحها العليا وتتمكن من إدارة مواقفها تجاه الملفات الإقليمية بفاعلية أكبر.

يجب التذكير، أن الأردن ليست دولة مارقة مثل دول إقليمية معروفة، ولا يجوز النظر إليها وكأنها كيانًا متمردًا لا يترتب عليه أي التزامات وطنية تجاه شعبه بموجب الدستور، أو أخرى دولية بموجب القانون الدولي. الأردن، دولة وطنية ذات سيادة، تبني سياساتها الداخلية والخارجية وفقًا لذلك، ولا يمكن له تطويع سيادته، وإتاحة خريطته الجغرافية وسماءه للكيانات السياسية، من الدول وما دونها فقط لأنها تدعي رغبتها بإضرار إسرائيل، فالسيادة في القانون الدولي، ركن من أركان أي دولة، يتحقق معناه في السياق الذي تواجهه الأردن في منع توظيف جغرافيتها الوطنية لخدمة أي مشروع إقليمي، وإيقاف كافة محاولات دفع الأردن باتجاهات سياسية لا تخدم مصالحه. ومن مسلّمات السيادة الوطنية للدول، أن تمارس حقها في السيطرة على مجالها الجوي وحمايته من الانتهاكات، وألا تسمح بتوظيفه لتبادل الضربات بين الدول أو الكيانات السياسية المتخاصمة، وهذا ما يجهله أو يتجاهله أنصار المشروع الإيراني الذين يطلبون من الأردن تجميد سياسته خدمةً لأجندة. على أي حال، الأردن لا يرد على ميليشيات مأزومة يحاول أتباعها تعويض خسائرهم بتحويله إلى "جبهة" قابلة للتوظيف الإقليمي.