بين الخيالين البشري والاصطناعي.. لمن المستقبل؟

نبض البلد -

 

مصطفى: الذكاء الاصطناعي قد يكتب روايات كاملة لكنها تفتقر للعمق العاطفي

النوباني: الأعمال التي ينتجها الذكاء الاصطناعي لا تزال محاكاة لنصوص سابقة

 

الأنباط – محمد خطايبة وعبد الرحمن دهون

 

منذ الأزل، ظلت الرواية رفيقة الإنسان، تعبّر عن ذاته وتكشف مجتمعه، كما وصفها الروائي النمساوي هيرمان بروخ بأنها "تصاحب الإنسان بإخلاص منذ بداية الأزمنة”. ويعدها الناقد السوري هيثم حسين من أعظم أدوات التنوير واكتشاف الذات والآخر، ومصدر إلهام لعلماء وفلاسفة، كسيغموند فرويد الذي وجد في أعمال دوستويفسكي تحليلًا عميقًا للنفس البشرية.

ومع التطور المتسارع في تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبح من الصعب تحديد مدى قدرته على التوسع، خاصة وقد اقتحم معظم المجالات، ما أثار تساؤلات مشروعة حول قدرته على تهديد دور الإنسان في الإبداع الأدبي. فهل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكتب رواية أصيلة؟

رغم وجود تجارب لروايات تولّدها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، إلا أن دراسة أجراها باحثون من جامعتي "لندن كوليدج” و”إكستر” كشفت أن الكتّاب الذين يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي في إنتاج رواياتهم ينتهون عادة إلى أعمال متشابهة، وتفتقر إلى الابتكار والتفرّد مقارنة بالأعمال التي تُكتب بشكل كامل من قبل مؤلفين بشريين.

 

نقص في العاطفة

الروائي المصري أحمد خالد مصطفى يرى أن الذكاء الاصطناعي قد يتمكن من كتابة روايات كاملة، بل ومحاكاة أسلوب كاتب بعينه، لكنه يفتقر للعمق العاطفي والإنساني، لأنه يعتمد على بيانات سابقة دون تجربة شعورية حقيقية. وأضاف: "الكاتب الحقيقي لا يعتمد فقط على ما قرأ، بل على مشاعره وتجربته الشخصية، وهذا ما لا يستطيع الذكاء الاصطناعي محاكاته”.

ويتابع مصطفى: "قد ينتج الذكاء الاصطناعي حبكات معقدة وشخصيات ذات تفاصيل دقيقة، لكنه يظل مقلدًا لا مبتكرًا، إذ لا يملك حياة ليستلهم منها كما يفعل الإنسان”.

 

محاكاة بلا روح

بدوره، يؤكد أستاذ الأدب والنقد المساعد بجامعة ظفار، د. شفيق النوباني، أن الذكاء الاصطناعي قادر على توليد نصوص جديدة يمكن اعتبارها "أصيلة” بالنسبة له، لكنها تفتقر إلى روح المؤلف، وتنطلق من فكرة "موت المؤلف” كما طرحها رولان بارت. ويشير إلى أن رواية الذكاء الاصطناعي ستكون "كرنفالًا اصطناعيًا” ينهل من الخبرة البشرية دون أن يمتلك جوهرها.

ويرى النوباني أن الأعمال الروائية المنتَجة عبر الذكاء الاصطناعي تبقى مجرد محاكاة لما أنتجه العقل البشري، الذي ينطلق من خلفيات ثقافية وتجارب إنسانية معقدة، لا يمكن للآلة أن تُحاكيها بدقة. ويضيف: "الأفق أمام الأدباء أكثر اتساعًا، لا سيما أولئك الذين يوظفون الذكاء الاصطناعي كتقنية تجريبية، وليس كبديل للإبداع”.

 

القارئ.. بين الآلة والمشاعر

عن احتمالية ميل القارئ نحو روايات مكتوبة بالذكاء الاصطناعي، يؤكد النوباني أن "العمل الأدبي، بوصفه نتاج تجربة إنسانية، سيظل أبعد ما يكون عن أن يُنتج بشكل آلي”، حتى وإن أبدى بعض الشباب تفضيلًا للاستماع على القراءة، وهو ما قد يمهّد لانتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي كوسائل تسويقية لا أكثر.

ويقول: "لا أظن أن القارئ المثقف سيعتبر ما ينتجه الذكاء الاصطناعي مادة ثقافية مثالية يمكن أن تُنمّي فكره أو توسع أفقه”.

وفي السياق نفسه، يضيف مصطفى أن القارئ غالبًا ما ينجذب للروايات التي تنقل مشاعر حقيقية، وقد يستمتع بالأفلام التي تُنتج بالذكاء الاصطناعي، لكن سيبقى للعمل الواقعي جاذبية خاصة، لأن الإنسان يتأثر بالفن الذي ينبع من مشاعر صادقة.

ويحذر من أن الذكاء الاصطناعي قد يتفوق على الكتّاب غير الموهوبين، داعيًا المؤلفين إلى تطوير أنفسهم والابتعاد عن التكرار، لأن التقليد – كما يقول – لا يختلف كثيرًا عن محاكاة الذكاء الاصطناعي.

 

الذكاء الاصطناعي كأداة لا بديل

يرى النوباني أن أدوات الذكاء الاصطناعي، ومنها "شات جي بي تي”، تمتلك قدرة ملحوظة على تقديم إجابات ذكية تتجاوز أحيانًا الجدل الأيديولوجي، وتُظهر "ذكاءً دبلوماسيًا”، لكنه في نهاية المطاف "ذكاء مبرمج”، لا يعكس الجوهر الإنساني.

ويؤكد أن هذه التقنيات يمكن أن تلعب دورًا مساعدًا في العملية الإبداعية والنقدية، لكنها لا تستطيع أن تحل مكان الإنسان أو مسؤوليته الثقافية. ويحذر من أن المنتجات الثقافية المرتبطة بهذه التقنيات قد تسهم في تسطيح المعرفة وتغليب الاستهلاك على العمق.

من جانبه، يرى مصطفى أن الذكاء الاصطناعي قد يصبح في المستقبل أداة قوية في البحث وجمع المعلومات، لكن لا يمكن الاعتماد عليه حاليًا بشكل كامل، لما قد يسببه من نتائج غير دقيقة أو مضللة.

ويختتم النوباني بالقول إن النقد الأدبي في المستقبل لن ينشغل كثيرًا بوضع معايير خاصة لأدب الذكاء الاصطناعي، بل سيبقى متمركزًا حول الإنتاج البشري، لأن الذكاء الاصطناعي – رغم قدرته على المحاكاة – لا يملك حتى الآن أي نوع من "الذكاء العاطفي”، وهو الشرط الجوهري للإبداع الأدبي.