القضاة: النقابات شهدت خلال السنوات الأخيرة حالة من التوتر المتزايد مع الدولة
زيود: من يريد العمل بالمجال السياسي عليه أن يلتحق بالأحزاب
الفراعنة: مشاركة النقابات في الشأن العام ليس خروجًا عن دورها بل ممارسة وطنية
الأنباط – عوني عياصرة
لطالما شكّلت النقابات المهنية في الأردن ركيزة رئيسية في الحياة العامة منذ نشأتها منتصف القرن الماضي، وأسهمت في صوغ ملامح الطبقة الوسطى، وتقديم بيت خبرة للقطاعات الحيوية. وخلال عقود، تجاوز دورها البعد المهني لتغدو طرفًا فاعلًا في قضايا السياسة والمجتمع، خصوصًا في فترات غابت فيها مؤسسات التمثيل الشعبي الفاعلة.
لكن هذا الدور المتقدم لم يخلُ من الجدل؛ إذ تصاعد التوتر بين النقابات ومؤسسات الدولة، خاصة مع دخول التيارات السياسية إلى ساحاتها بعد انكماش الحياة الحزبية، ما فتح الباب لتسييس العمل النقابي وأدى إلى فقدان بعض النقابات لبوصلتها المهنية، بحسب مراقبين.
وفيما يرى البعض أن النقابات انحرفت عن غاياتها الأصلية، وأصبحت ساحة للتجاذب السياسي، يصرّ آخرون على أن انخراطها في الشأن العام لا يتعارض مع رسالتها المهنية، بل يكملها، ما دامت تعبّر عن قواعدها وتلتزم بالقانون.
نقابات بين المطرقة والسندان
وتضم النقابات المهنية في الأردن اليوم 15 نقابة، تمثل أطباء، مهندسين، محامين، صحفيين، معلمين وغيرهم، ولا تزال تحتفظ بتاريخ طويل من الحضور والتأثير، خاصة خلال مراحل غابت فيها الحياة الحزبية. ومع بدء تنفيذ مشروع التحديث السياسي، تعود الأسئلة إلى الواجهة: ما هو الدور المطلوب من النقابات؟ هل يجب حصرها في الشأن المهني؟ أم اعتبارها شريكًا وطنيًا لا يمكن تجاهله؟
ويقول الصحفي خالد القضاة إن النقابات شهدت خلال السنوات الأخيرة حالة من التوتر المتزايد مع الدولة، نتيجة دخول التيارات السياسية إلى ساحاتها، بعدما تراجع دور الأحزاب. ويرى أن غياب القنوات السياسية التقليدية دفع هذه التيارات لتحويل النقابات إلى منصات بديلة، ما أدّى إلى تسييس العمل النقابي على حساب الدور المهني.
ويضيف أن هذا التسييس أدى إلى تصادم مع مؤسسات الدولة، وساهم في سنّ تشريعات للحد من النشاط السياسي داخل النقابات، ما انعكس سلبًا على استقلاليتها وثقة القواعد بها.
ويحذر القضاة من أن غلبة الطابع السياسي همّشت المطالب المهنية، وأضعفت التفاعل الشعبي، ما جعل النقابات عاجزة عن أداء دورها الحقيقي، مؤكدًا أن بعض النقابات، كـ”الصحفيين”، ما تزال تحافظ على حضورها المهني والوطني.
ويعتبر أن النقابات لم تعد فاعلًا سياسيًا كما في السابق، بعد أن استعاد البرلمان والأحزاب بعضًا من أدوارهما. لكنه يشدد على أهمية أن تبقى النقابات شريكة في المجال العام، ضمن دور "توافقي وتكميلي” يخدم المهنة والمجتمع دون أن يحلّ محل الأحزاب أو البرلمان.
المهنية أولًا… ولا مكان للسياسة
من جهته، يرى الصحفي محمد زيود أن النقابات المهنية وُجدت أساسًا للدفاع عن حقوق منتسبيها وتحسين أوضاعهم، وليس للانخراط في العمل السياسي، مشددًا على أن التداخل بين الدورين يربك وظائف النقابات ويدخلها في صراعات لا تخدم المهنة ولا المنتسبين.
ويقول زيود إن من يريد العمل السياسي عليه أن يلتحق بالأحزاب، لا أن يستخدم النقابات لهذا الغرض، داعيًا إلى إعادة تموضع واضح للنقابات ضمن إطارها المهني. ويؤكد أن قوة النقابة تُقاس بمدى إنجازاتها في تحسين بيئة العمل وتطوير المهنة، لا بمدى حضورها السياسي.
ويشير إلى أن النقابات ما تزال تمثل الطبقة الوسطى الفاعلة، ويمكن أن تشكل بيت خبرة للدولة في رسم السياسات، داعيًا إلى حصر دورها في المهني، وترك المجال السياسي للأحزاب، لا سيما بعد الإصلاحات التشريعية التي نظّمت العلاقة بين المؤسسات المختلفة.
رافعة مجتمعية لا بديل سياسي
أما المحلل السياسي حمادة الفراعنة، فيرى أن النقابات المهنية والعمالية لا تزال مكوّنًا مجتمعيًا فاعلًا لا يمكن تجاهله، مشيرًا إلى أن لها تاريخًا طويلًا في الدفاع عن مصالح المنتسبين، وفي لعب دور تعويضي خلال فترات غياب الحياة السياسية.
ويؤكد أن مشاركة النقابات في الشأن العام لا تُعد خروجًا عن دورها، بل هي ممارسة وطنية طبيعية، شرط أن تبقى ضمن الأطر القانونية والدستورية، ودون أن تتحول إلى بديل عن الأحزاب.
ويضيف أن النقابات أدّت في الثمانينيات دورًا سياسيًا شبه برلماني، نتيجة غياب المؤسسات، لكن هذا الدور تراجع بعد عودة التعددية السياسية، ويجب أن يبقى كذلك اليوم، في ظل وجود أحزاب وبرلمان.
ويختم الفراعنة بالتأكيد على أن النقابات يمكن أن تكون رافعة ضغط وطنية في مواجهة السياسات الحكومية حين تمسّ مصالح المهنيين، داعيًا إلى التزامها بالسلمية، وتقديم خطاب مهني يعكس هموم القواعد لا الأيديولوجيات.