نبض البلد -
بقلم: ولاء فخري العطابي
في إحدى حلقات برنامجه، أطلق الإعلامي عامر الرجوب صرخةً صادقةً وصادمة في آنٍ معًا، حين تساءل بحرقة: "من متى الأردنيين بيطلعوا لايفات تيك توك؟ من متى بيتاجروا بزوجاتهم؟ من متى بيصوروا من غرف نومهم؟” لم تكن هذه الكلمات محض تهويل أو مبالغة إعلامية بل كانت محاولة جريئة لوضع اليد على جرحٍ بدأ يتسع في جسد المجتمع الأردني تحت تأثير موجات غير مألوفة من المحتوى الهابط الذي يغزو المنصات الرقمية.
حيث تشهد وسائل التواصل الاجتماعي في الأردن تحولات سريعة وخطيرة إذ لم تعد مجرد أدوات للتواصل أو منصات للتعبير بل تحولت في كثير من الحالات إلى ساحات مفتوحة للقمار الرقمي والسلوكيات التي تُخلّ بالقيم الأسرية والمجتمعية، واللافت أن كثيرًا من هذه السلوكيات بات يُمارس أمام عدسات البث المباشر ويُروّج له دون حرج بل وأحيانًا يُكافأ بالمشاهدات والهدايا الرقمية والأرباح المالية في مشهد يُثير القلق على أكثر من صعيد.
القمار لم يختفِ، بل غيّر شكله، لم تعد المسألة تتعلق بأوراق اللعب والطاولات السرية، بل برموز رقمية وتطبيقات تُخفي خلفها اقتصادًا موازيًا من المال السهل، منصات مثل تيك توك ويوتيوب أصبحت تُتيح بثًا مباشرًا تُمطر فيه "الهدايا” على من يُثير الجدل أو يعرض خصوصياته أو يستجدي العواطف بطرق متكررة وممنهجة، هذا الشكل الجديد من "القمار” لا يستند إلى الحظ فقط بل إلى التنازل التدريجي عن القيم والأخلاق مقابل الشهرة والربح السريع.
الأخطر من ذلك أن هذه الظواهر بدأت تتسلل إلى الفئات الأصغر سنًا وتُشكّل وعيهم بشكل مشوّه بحيث تصبح الشهرة غاية والتجاوز وسيلة والمحتوى التافه هو الطريق الأسرع للانتشار. في ظل هذا الواقع، تضعف رقابة الأهل، وتغيب التوعية الإعلامية والتربوية ويصبح الطفل أو المراهق أكثر عرضة لمحاكاة ما يشاهده دون إدراك لما وراء الشاشات.
ورغم أن القانون الأردني يُجرّم بعض أشكال القمار الإلكتروني واستغلال المنصات لأغراض غير مشروعة، إلا أن حجم الظاهرة واتساعها يكشف عن فجوة في المتابعة والتشريعات وعن حاجة ماسة لمواءمة القوانين مع سرعة التغيير الرقمي، فالمعروف فأنه لا يكفي أن نحذّر، بل يجب أن نُحاسب ونُربّي ونُثقف، ونعيد الاعتبار للقيم التي كانت ولا تزال أساس هذا المجتمع.
حين تجرأ عامر الرجوب على طرح هذه الأسئلة، فإنه لم يُرِد التشهير أو جلد المجتمع، بل دق ناقوس الخطر، ومهمتنا كإعلاميين ومواطنين ألا نغض الطرف عن هذا الانحدار المُتسارع، بل أن نحوله إلى لحظة مواجهة صادقة مع الذات، قبل أن يصبح ما نشاهده اليوم مجرد بداية لما هو أخطر.
المطلوب اليوم هو تكاتف حقيقي بين مؤسسات الدولة، والمجتمع والأسرة والإعلام، من أجل بناء وعي رقمي حديث يواكب التطور دون أن يساوم على الأخلاق قطعًا، فالتكنولوجيا يمكن أن تكون أداة للنهضة لكنها قد تتحول إلى أداة تدمير صامت إن تُركت دون ضوابط.