الذكاء الاصطناعي يغيّر وجه الطب.. تحسين للكفاءة وإسهام في إنقاذ الأرواح

نبض البلد -

 

وديان: ثقة الأطباء بنتائج الذكاء الاصطناعي تبقى مشروطة بمصداقية النظام وسلامة تصميمه

 وسيم طلفاح

 

في خضم الثورة الرقمية المتسارعة، يبرز الذكاء الاصطناعي(AI) بوصفه أحد أعمدة التحول الجذري في مختلف القطاعات، وعلى رأسها القطاع الطبي. إذ لا يقتصر دوره اليوم على تحسين الكفاءة، بل بات يسهم فعليًا في إنقاذ الأرواح، من خلال تسريع عمليات التشخيص، ودعم القرار السريري، وتقديم رعاية صحية أكثر تخصيصًا وفعالية.

ويرى مختصون أن الذكاء الاصطناعي لا يستبدل الطبيب، لكنه يغيّر أدواته ويعيد تشكيل دوره.

وفي هذا السياق، يؤكد الدكتور محمد وديان، أستاذ علم الحاسوب، أن الذكاء الاصطناعي يشكّل أداة ثورية لا غنى عنها في الطب الحديث، لكنه يحتاج إلى توظيف مدروس يراعي الأبعاد الأخلاقية، والتحديات التنظيمية، وطبيعة العلاقة الإنسانية بين الطبيب والمريض.

 

ثورة طبية مدفوعة بالبيانات والقدرات الحسابية

ويشير الدكتور وديان إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب ليس جديدًا كليًا؛ فقد بدأت أولى تجاربه في السبعينيات، لكن الانطلاقة الحقيقية جاءت بعد عام 2010، مدفوعة بتطور قدرات الحوسبة وتدفق كميات هائلة من البيانات الطبية. هذا التراكم مهد الطريق لظهور أنظمة تشخيص ذكية قادرة على تحليل الصور الشعاعية، قراءة التحاليل المخبرية، وحتى التنبؤ بالأمراض قبل ظهور أعراضها.

 

تطبيقات فاعلة: من السرطان إلى التوحد

ويستعرض وديان أبرز التطبيقات الناجحة للذكاء الاصطناعي في المجال الطبي، وعلى رأسها الكشف المبكر عن السرطان، وأمراض القلب، والتوحد، والاضطرابات العصبية. ويؤكد أن العديد من الأنظمة الذكية أثبتت قدرتها على رصد مؤشرات الأمراض بدقة قد تضاهي – أو في بعض الحالات تتجاوز – أداء الأطباء في مهام تشخيصية محددة، بشرط الاعتماد على خوارزميات دقيقة وبيانات تدريب عالية الجودة.

 

ثقة مشروطة وتحديات أخلاقية

ورغم هذه الإنجازات، يشدد الدكتور وديان على أن ثقة الأطباء في نتائج الذكاء الاصطناعي تبقى مشروطة بمصداقية النظام، وسلامة تصميمه، ومراجعته من جهات طبية معترف بها. كما يحذر من تحديات أخلاقية جدية، مثل فقدان اللمسة الإنسانية في العلاقة بين الطبيب والمريض، وقضايا المسؤولية القانونية في حال حدوث أخطاء، إضافة إلى مخاطر تتعلق بحماية البيانات الطبية الحساسة.

 

تسريع التشخيص وتقليل القلق

ومن المزايا المهمة لتقنيات الذكاء الاصطناعي، كما يوضح وديان، أنها تساهم في تقليل القلق النفسي لدى المرضى، من خلال تقليص فترات الانتظار وتسريع إصدار النتائج بدقة، ما يتيح للطبيب اتخاذ قرارات علاجية أسرع وأكثر ثقة، وهو ما كان ملموسًا خلال جائحة كورونا، حيث سهل الذكاء الاصطناعي تحليل البيانات الوبائية الضخمة في الزمن الحقيقي.

 

فجوة بين المختبر والمستشفى

ويرى وديان أن هناك فجوة بين ما تحققه الأبحاث في الذكاء الاصطناعي وبين التطبيقات العملية في المستشفيات، لأسباب تتجاوز العوائق التقنية إلى عوامل تنظيمية وثقافية وتمويلية. كما يشير إلى هيمنة بعض الشركات التكنولوجية الكبرى مثل غوغل ومايكروسوفت وOpenAI على مستقبل الذكاء الاصطناعي الطبي، في توجه يخلط بين البعد الربحي والخدمة العامة.

 

دور متنامٍ في دعم الصحة النفسية والطوارئ

الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على الحالات الفيزيولوجية فقط. فقد بدأ يُستخدم في تتبع الصحة النفسية وتحليل سلوكيات المرضى ونبرات أصواتهم، لتقديم دعم رقمي في الرعاية النفسية. كما برز دوره في الطوارئ الصحية والكوارث، من خلال تحليل البيانات اللحظية وتوجيه الاستجابة السريعة، شريطة تكامل عمله مع الفريق الطبي وعدم اعتباره بديلًا للطبيب.

 

التعليم الطبي في مواجهة التحول الرقمي

في ظل هذا التحول، يؤكد الدكتور وديان ضرورة تأهيل الأطباء الجدد بمهارات مزدوجة تجمع بين الخبرة الطبية والكفاءة التقنية، مشيرًا إلى بدء بعض الجامعات في إدراج مقررات الذكاء الاصطناعي ضمن المناهج الطبية، ما يعكس التغير في طبيعة مهنة الطب.

 

تجارب عربية ومحلية واعدة

ويرى وديان أن العالم العربي بدأ يشهد تجارب مهمة في استخدام الذكاء الاصطناعي الطبي، رغم أنها لا تزال في بداياتها مقارنة بالدول المتقدمة. ومن بين النماذج اللافتة، يشير إلى تطبيق "أمان” في الأردن خلال جائحة كورونا، الذي استخدم تحليل بيانات التنقل والمخالطة لتتبع انتشار العدوى، واصفًا ذلك بأنه نواة واعدة للبناء المستقبلي.