الإدارة المحلية بين الإصلاح التشريعي والتطبيق المجتمعي

نبض البلد -

أحمد الضرابعة

تحولت الانتخابات البلدية واللا مركزية من كونها أداة لتعزيز المشاركة الشعبية وتحقيق التنمية المحلية إلى ساحة للتنافس بين الفواعل الاجتماعية لانتزاع شرعية تمثيل الجمهور بعيدًا عن الاعتبارات المؤسسية التي يقوم عليها العمل في قطاع الإدارة المحلية، أي أن العملية الانتخابية بكافة أجزائها أصبحت تخضع لمنطق الصراع الاجتماعي أكثر من كونها وسيلة لتحقيق الإدارة الرشيدة والتنمية المستدامة، وهذه مشكلة كبيرة لا يمكن أن تُعالَج بتعديلات قانونية لا تؤدي لإنتاج ثقافة شعبية ترد الاعتبار للفكرة الأصيلة التي تقوم عليها الانتخابات؛ فالسلوك السياسي لدى الناخبين ناتج عن التفاعلات الثقافية والاجتماعية المحيطة بهم، وهو ما يتحكم بمخرجات أي عملية انتخابية، ولذلك، فإن الوعي السياسي الذي يقود الشارع ويحدد اتجاهاته سينتقل بالضرورة إلى المؤسسات المنتخبة، وينعكس على أدائها وإدارتها للمصالح للعامة، ولذا، يجب ألا يتم اختزال إصلاح قطاع الإدارة المحلية بتعديلات قانونية عادية بل يجب أن تكون جزءًا من عملية أوسع لإعادة تشكيل الثقافة السياسية وإيجاد بيئة انتخابية تساعد على فرز قيادات تتمتع بالكفاءة والرؤية.

يمكن الرجوع إلى الواقع الحزبي لاختبار دقة هذا التشخيص؛ فرغم وجود بيئة تشريعية تسمح بتشكيل الأحزاب السياسية وتحفّز نشاطها في المجال العام، إلا أنها لم تنتقل حتى الآن من هامش العملية السياسية إلى مركزها، وهو ما يعكس إشكالية تتجاوز الإطار القانوني إلى طبيعة الثقافة السياسية السائدة والتي تأثرت بها الأحزاب السياسية وانعكس ذلك على طبيعة بناء الهرم القيادي في كل منها، وحيثيات مشاركتها في الانتخابات النيابية ونتائج ذلك.

رغم طرح العديد من السيناريوهات للتعديلات المنتظرة على قانون الإدارة المحلية، إلا أن أي تعديل قانوني لن يكون كافٍ لمعالجة الإشكالات البنيوية التي تواجه هذا القطاع؛ فالعوائق لا تكمن فقط في التشريعات، وإنما في تطبيقها ومدى انسجامها مع الثقافة السياسية والاجتماعية السائدة، وهو ما يجب الانشغال بمعالجته.