مشاريع استراتيجية يجب الإسراع في تنفيذها.

نبض البلد -

حاتم النعيمات

من الواضح أن حكومة الدكتور جعفر حسان تضع يدها على المشاكل المركزية في الأردن، فقد وضعت الحكومة خطة مهمة لإصلاح النقل، وتسعى لتعزيز الأمن المائي والطاقة، وتقوم حاليًا بمراجعة تشريعية لملف الإدارة المحلية، ناهيك عن عمليات أتمتة وإصلاح في أنظمة تمويل المشاريع الزراعية وسعي دائم لإدخال التكنولوجيا فيها. هذه الملفات جوهر فكرة الاعتماد على الذات حيث سيفضي إتمامها إلى استدامة التنمية كضامن للاستقرار والأمن.

في النقل، بدأت الحكومة بمشروع النقل بين العاصمة والمحافظات، ولهذا المشروع أثر قد يكون كالسحر على مشكلة تكدّس التنمية في العاصمة، ولو اكتمل المشروع -الذي ستكون مرحلته الأولى بربط العاصمة مع كل من الكرك ومادبا والزرقاء وإربد والسلط- سيستطيع ملايين المواطنين من الاستفادة ونقل مستوى الخدمات والاقتصاد من العاصمة إلى المحافظات، وله فوائد أخرى كالمساهة في تقليل الاعتماد على المركبات الخاصة، بالتالي تقليل الانبعاث الكربوني والتلوث، ورفع مستوى السلامة المرورية.

أما مشاريع الطاقة، فقد كان أهمها مشروع استخراج الغاز الطبيعي الموجود في حقل الريشة أقصى شرق البلاد، حيث تم الإعلان عن توفر كميات واعدة يتم استخراج جزء منها بشكل فعلي اليوم. وفي نفس الملف، أقر مجلس النواب قانون الكهرباء العام لسنة 2025، والذي يسمح لأي شخص بإنشاء وتملّك وتشغيل محطات تخزين الكهرباء لغايات الاستهلاك الخاص، ولهذا القرار انعكاس على تقليل الكُلف على المواطنين وأصحاب المشاريع. أما في ملف المياه، فلدينا مشروع الناقل الوطني الذي سيوفر 300 مليون متر مكعب سنويًا، وهذا يغطي 100% تقريبًا من العجز المتوقع في 2027، وهي السنة التي سيعمل خلالها المشروع بطاقته الكاملة حسبما نقلت جريدة "الجوردان تايمز” الأردنية.

هذه المشاريع هي صمام الأمان والعمود الفقري للاعتماد على الذات، وتأتي أيضًا في سياق استدراك الإدارة العامة الأردنية لأخطاء جسيمة وقعت خلال السنوات الماضية؛ وأبرزها تجاهل تردي قطاع النقل، واللجوء إلى رفع كُلف الطاقة بدلًا من زيادة المعروض منها، والمبالغة في مجاملة برامج دمج اللاجئين التي دفعنا بسببها فاتورة كبيرة واستنزاف لمخزون المياه والبنية التحتية.

عامل السرعة في إنجاز هذه المشاريع مهم جدًا، لأننا في سباق مع الحدث الخارجي، ونطل كل يوم على احتمالات الفوضى في المنطقة، ولهذه المشاريع أهمية كبيرة في إعطائنا مساحات للحركة في علاقاتنا الدولية لمواجهة التقلبات، لذلك فإن إتمام هذه الحكومة لهذه المشاريع سيجعلها من أنجح الحكومات في تاريخ الأردن الحديث.

بشكل عام، فإن الحكومة تجنح اليوم إلى اقتصاد يكون فيه القطاع العام موجودًا في معادلة المنافسة في جميع القطاعات، وهذا بتقديري هو الوضع الصحي الأمثل لدولة مثل الأردن، حيث إن عمليات الخصخصة الحادة التي جرت في الماضي خلّفت وراءها نسقًا معقدًا من المشاكل في الملفات المذكورة سابقًا، فقطاع النقل تعرّض للإهمال، وبسبب هذا الإهمال توجه المواطنون لشراء سيارات خاصة بتمويلات من البنوك وشركات التمويل، وقطاع الطاقة كان يعتمد كليًا على مدى استهلاكها وليس على مدى توفرها بشكل استراتيجي، وأدى ذلك لرفع كلفها مما استنزف دخول المواطنين، أما المياه والزراعة، فهي ملفات كانت تخضع بشكل شبه كامل لعوامل خارج سيطرتنا، كالمناخ والاستقرار في الإقليم، لذلك أقول إن عودة الحكومة إلى فكرة المشاريع الاستراتيجية وتقوية القطاع العام هي حكمة واستشراف.

الأردن يمتلك توليفة من الموارد الطبيعية والبشرية يمكن البناء عليها لتحقيق النمو في كافة المجالات، لذلك علينا أن نعزز المسؤول الذي يسلك هذا النهج الإصلاحي ليصبح أكثر جرأة على اتخاذ القرارات، فالتردد في اتخاذ القرارات أساسه الالتفات بشكل أكثر من اللازم للرأي الشعبي الذي قد يكون سلبيًا في بعض الأحيان، لذلك فإن تشجيع من يستحق من المسؤولين مهم لتسريع عمليات البناء والإصلاح بدلًا من إرباكهم وإجبارهم على قاعدة "سكّن تَسلم" في إدارة شؤون البلاد.