نبض البلد - ارتفاع نسبة الحديد في الدم، والمعروف طبيًا باسم فرط الحديد أو تراكم الحديد، هو حالة صحية تتمثل في زيادة مخزون الحديد في الجسم عن المستويات الطبيعي، ويُعتبر الحديد عنصرًا أساسيًا في الجسم، إذ يلعب دورًا فعالاً في نقل الأكسجين عبر الدم وفي عملية التمثيل الغذائي وغيرها من العمليات الحيوية. ومع ذلك، فإن ارتفاع مستوياته بشكل مفرط يمكن أن يؤدي إلى مشكلات صحية خطيرة.
تتعدد أسباب ارتفاع نسبة الحديد في الدم، لكن السبب الأكثر شيوعًا هو مرض وراثي يُعرف باسم البُيلة الدموية الوراثية أو الهيموكروماتوز الوراثي، حيث يؤدي هذا المرض إلى امتصاص كميات زائدة من الحديد من الطعام، مما يتسبب في تراكمه في أعضاء الجسم المختلفة كالكبد والقلب والبنكرياس، كما يمكن أن ينتج فرط الحديد عن تكرار نقل الدم، أو أمراض فقر الدم التي تزيد من تكسر خلايا الدم الحمراء، أو أمراض الكبد المزمنة مثل التهاب الكبد والتليف الكبدي.
قد لا تظهر أي أعراض لارتفاع نسبة الحديد في الدم، ولكن مع مرور الوقت وتراكم الحديد في الأنسجة، تبدأ الأعراض بالظهور وتشمل الإعياء المزمن، وآلام المفاصل، وألم في البطن، وفقدان الوزن غير المبرر، وضعف الرغبة الجنسية، وفي الحالات المتقدمة، يمكن أن يؤدي فرط الحديد إلى تلف الأعضاء المختلفة، مما يسبب مضاعفات خطيرة مثل تليف الكبد، والسكري، وفشل القلب.
تأثير ارتفاع نسبة الحديد في الدم
ارتفاع نسبة الحديد في الدم له تأثيرات متعددة على الجسم، فعندما تتراكم كميات زائدة من الحديد في الأنسجة والأعضاء، يمكن أن تسبب ضررًا تدريجيًا يتطور مع مرور الوقت، إذ يحفز الحديد الزائد إنتاج الجذور الحرة، مما يؤدي إلى الإجهاد التأكسدي وتلف الخلايا، ويُعد الكبد هو أحد الأعضاء الأكثر تأثرًا بارتفاع نسبة الحديد، إذ يُعتبر المخزن الرئيسي للحديد في الجسم، وعندما يتراكم الحديد في خلايا الكبد، يمكن أن يسبب التهابًا مزمنًا يؤدي إلى تليف الكبد وهو تلف لا يمكن إصلاحه.
مع استمرار تراكم الحديد وتقدم التليف، قد يتطور الأمر إلى تشمع الكبد، وهو مرحلة متقدمة من تلف الكبد يمكن أن تؤدي إلى فشل وظائف الكبد، كما أن فرط الحديد يزيد من خطر الإصابة بسرطان الكبد، خاصة لدى المرضى المصابين بالتليف أو التشمع.
ويُعتبر القلب أيضاً من الأعضاء المعرضة بشكل كبير لتأثيرات ارتفاع الحديد، فعندما يترسب الحديد في عضلة القلب، يمكن أن يسبب اعتلال عضلة القلب، ويضعف قدرة القلب على الضخ بكفاءة، مما يؤدي إلى قصور القلب، وهو حالة لا يستطيع فيها القلب ضخ الدم بشكل كافٍ لتلبية احتياجات الجسم، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يتسبب ترسب الحديد في القلب في اضطرابات ضربات القلب، والتي يمكن أن تكون خطيرة وتهدد الحياة في بعض الحالات.
يتأثر البنكرياس بشدة بفرط الحديد، فعندما يتراكم الحديد في خلايا بيتا المنتجة للأنسولين في البنكرياس، فإنه يضعف قدرتها على إنتاج الأنسولين بشكل سليم، وبالتالي يمكن أن يؤدي إلى مقاومة الأنسولين وفي النهاية إلى الإصابة بداء السكري من النوع الثاني، وتتأثر الغدد الصماء الأخرى أيضًا بارتفاع نسبة الحديد في الدم، إذ يمكن أن يؤدي ترسب الحديد في الغدة النخامية إلى قصور الغدة النخامية، مما يتسبب في اضطرابات هرمونية متعددة تؤثر على وظائف الجسم المختلفة
كما يمكن أن يتراكم الحديد في الغدة الدرقية مسببًا قصور الغدة الدرقية، وفي الغدد التناسلية مؤديًا إلى انخفاض مستويات هرمون التستوستيرون لدى الرجال وبالتالي ضعف الرغبة الجنسية والعقم لدى النساء، ومن الممكن أن يسبب فرط الحديد اضطرابات الدورة الشهرية وانقطاع الطمث المبكر.
المفاصل هي من المناطق التي تتأثر بشكل ملحوظ بارتفاع نسبة الحديد، إذ يمكن أن يترسب الحديد في المفاصل، خاصة مفاصل اليدين، مما يسبب التهاب المفاصل المرتبط بفرط الحديد، وتتميز هذه الحالة بألم وتورم وتيبس في المفاصل، وتشبه في أعراضها التهاب المفاصل الروماتويدي، كما يتأثر الجلد بارتفاع نسبة الحديد، حيث يمكن أن يصبح لون الجلد برونزيًا أو رماديًا بسبب ترسب الميلانين المرتبط بفرط الحديد.
في الحالات المتقدمة، يمكن أن يترسب الحديد في الدماغ، خاصة في مناطق معينة مثل الغدة النخامية والمهاد وهو جزء من الدماغ يتحكم في وظائف الجسم الأساسية، مما يؤدي إلى اضطرابات عصبية مختلفة، بما في ذلك التعب المزمن، والصداع، وصعوبة التركيز، والاكتئاب، وحتى الاضطرابات المعرفية.
أعراض ارتفاع نسبة الحديد في الدم
ارتفاع نسبة الحديد في الدم يمكن أن يتسبب في مجموعة متنوعة من الأعراض تتطور تدريجياً مع مرور الوقت، وتتمثل في التالي:
التعب المزمن والإرهاق، حيث يشعر المريض بإجهاد مستمر لا يتحسن مع الراحة، وضعف عام في الجسم، وانخفاض في القدرة على أداء الأنشطة اليومية المعتادة.
آلام المفاصل هي من الأعراض البارزة التي يعاني منها مرضى فرط الحديد، وتتأثر بشكل خاص المفاصل الصغيرة في اليدين، ويمكن أن تكون هذه الآلام مصحوبة بتورم وتيبس، مما يشبه أعراض التهاب المفاصل الروماتويدي، ومع تقدم الحالة، قد تمتد الآلام لتشمل المفاصل الكبيرة مثل الركبتين والوركين والكاحلين.
ألم البطن، وخاصة في الجزء العلوي الأيمن منه، يمكن أن يكون مؤشراً على تأثر الكبد بارتفاع نسبة الحديد، قد يكون هذا الألم خفيفاً في البداية، لكنه يزداد سوءاً مع استمرار تراكم الحديد في الكبد، وقد يلاحظ المريض تضخماً في الكبد يمكن الشعور به عند الجس، وفي الحالات المتقدمة، يمكن أن يظهر اليرقان كعلامة على تلف الكبد الشديد.
تغيرات لون الجلد هي من العلامات المميزة لفرط الحديد المزمن، خاصة في حالات الهيموكروماتوز الوراثي، إذ يمكن أن يكتسب الجلد لوناً برونزياً أو رمادياً داكناً، خاصة في المناطق المعرضة للشمس.
اضطرابات القلب يمكن أن تظهر مع تقدم حالة فرط الحديد، حيث يترسب الحديد في عضلة القلب، ويعاني المريض من خفقان القلب وضيق التنفس، خاصة عند القيام بمجهود، وتورم في القدمين والكاحلين، وفي الحالات الشديدة، يمكن أن يتطور الأمر إلى قصور القلب.
انخفاض الرغبة الجنسية وضعف الخصوبة هما من الأعراض الشائعة لدى مرضى فرط الحديد، خاصة الرجال، ويحدث هذا نتيجة لتأثر الغدد التناسلية وانخفاض إنتاج هرمون التستوستيرون.
لدى النساء، يمكن أن يتسبب فرط الحديد في اضطرابات الدورة الشهرية، وعدم انتظامها، وأحياناً انقطاع الطمث المبكر.
أعراض مرض السكري يمكن أن تظهر مع تراكم الحديد في البنكرياس وتلف خلايا بيتا المنتجة للأنسولين، وتشمل زيادة العطش، كثرة التبول، الجوع المستمر، وفقدان الوزن غير المبرر.
اضطرابات الجهاز العصبي وتشمل الصداع المزمن، الدوخة، صعوبة التركيز، والاكتئاب، وفي الحالات الشديدة، خاصة إذا تأثرت مناطق معينة في الدماغ، يمكن أن تظهر أعراض مثل الرعاش، عدم الاتزان، واضطرابات في الكلام والحركة.
ضعف جهاز المناعة وزيادة قابلية الإصابة بالعدوى هي أيضاً من المشكلات التي قد يواجهها مرضى فرط الحديد.
أضرار ارتفاع نسبة الحديد في الدم
تلف الكبد هو أحد أخطر أضرار ارتفاع نسبة الحديد في الدم، إذ يُعتبر الكبد المخزن الرئيسي للحديد في الجسم، وبالتالي فهو الأكثر عرضة للتأثر عند زيادة الحديد.
أمراض القلب والأوعية الدموية، فعندما يترسب الحديد في عضلة القلب، يتسبب في حالة تُعرف باسم اعتلال عضلة القلب الحديدي، والذي يؤدي إلى ضعف وظيفة القلب وانخفاض قدرته على ضخ الدم بكفاءة.
مرض السكري، حيث يترسب الحديد في البنكرياس، وتحديدًا في خلايا بيتا المسؤولة عن إنتاج الأنسولين، مما يؤدي إلى تلفها وبالتالي انخفاض إنتاج الأنسولين، وبالتالي يتسبب في ارتفاع مستويات السكر في الدم ويؤدي إلى الإصابة بالسكري من النوع الثاني.
يمكن أن تنتج اضطرابات الغدد الصماء المتعددة عن ترسب الحديد في الغدد المختلفة، فعندما يتراكم الحديد في الغدة النخامية، قد يسبب قصور بها، مما يؤثر على إفراز العديد من الهرمونات المهمة التي تتحكم في وظائف الجسم المختلفة.
اضطرابات الخصوبة والوظائف الجنسية، خاصة لدى الرجال، حيث يؤدي ترسب الحديد في الغدد التناسلية إلى انخفاض إنتاج هرمون التستوستيرون، مما يتسبب في ضعف الرغبة الجنسية، ضعف الانتصاب، وانخفاض عدد الحيوانات المنوية وحركتها.
تلف المفاصل والعظام نتيجة لترسب الحديد في الغضاريف والأنسجة المحيطة بالمفاصل، مما يتسبب في حالة تشبه التهاب المفاصل الروماتويدي، وفي الحالات المتقدمة، يمكن أن يحدث تآكل للغضاريف وتشوهات في المفاصل، كما أن فرط الحديد يؤثر على صحة العظام، حيث يمكن أن يتسبب في هشاشة العظام وزيادة خطر الكسور.
الاضطرابات العصبية والنفسية يمكن أن تنتج عن ترسب الحديد في الدماغ والجهاز العصبي، ويمكن أن يعاني المريض من صداع مزمن، دوخة، اضطرابات في النوم، صعوبة في التركيز، وتغيرات في المزاج والسلوك.
تلف الأعضاء الأخرى مثل البنكرياس والكلى، والطحال، يمكن أن يحدث مع استمرار ترسب الحديد، مما يؤدي إلى اضطرابات في وظائف هذه الأعضاء، وقد يتسبب في مشاكل صحية إضافية.
علاج ارتفاع نسبة الحديد في الدم
العلاجات الطبية
الفصد الدموي (سحب الدم): ويُعد العلاج الأساسي لفرط الحديد، حيث يتم سحب كمية من الدم بانتظام لخفض مستويات الحديد.
العلاج بالاستخلاب: أدوية مثل ديفيراسيروكس أو ديفيريبرون والتي تساعد في التخلص من الحديد الزائد عبر البول.
التعديلات الغذائية
يجب تقليل تناول الأطعمة الغنية بالحديد مثل اللحوم الحمراء والكبد والبقوليات.
تجنب مكملات الحديد ومتعددة الفيتامينات المحتوية على الحديد.
الحد من تناول فيتامين سي مع الوجبات لأنه يزيد من امتصاص الحديد.
شرب الشاي مع الوجبات يمكن أن يقلل امتصاص الحديد في الدم.
في حالة تم تشخيص حالات وراثية مثل البيلة الدموية المسببة لفرط الحديد، يجب استشارة الطبيب لمعالجة مسببات ارتفاع الحديد الثانوية مثل أمراض الدم أو تلف الكبد.