نبض البلد - خلدون خالد الشقران
برعاية سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، انطلقت فعاليات النسخة الثالثة من منتدى "تَواصُل 2025” تحت شعار "حوار حول المستقبل”، في وقت لم يعد فيه الحوار ترفًا ولا المستقبل خيارًا مؤجلًا. ما يجري اليوم في مجمع الملك الحسين للأعمال ليس مجرد فعالية دعائية، بل رسالة سياسية وتنموية واضحة: الأردن يضع قدمه في معركة التغيير، ويقرر أن يكون جزءًا من العالم الجديد، لا مجرد متفرج عليه.
هذا المنتدى لم يأتِ لملء الفراغات في أجندة المؤسسات، بل لطرح الأسئلة التي تجنّبتها السياسة التقليدية طويلاً. أسئلة عن الذكاء الاصطناعي، عن مستقبل الاقتصاد، عن فرص الشباب، عن صناعة القرار خارج العلبة البيروقراطية. واللافت أن من يقود هذا الطرح هو ولي العهد نفسه، الذي اختار أن لا يكتفي بالدور البروتوكولي، بل يضع يده في عمق التحديات، ويفتح المساحات المغلقة أمام الشباب والخبراء والمجتمع المدني، في سابقة وطنية تعكس تحوّلاً في نمط القيادة.
منتدى "تَواصُل” لا يكتفي بالحديث عن المستقبل، بل يحاول أن يختصر الزمن نحوه. ست جلسات حوارية موزعة على محاور تمسّ جوهر الواقع الأردني: من التعليم المهني الذي ظل مهمشًا لسنوات، إلى الثقافة التي لم تُعامل بعد كقوة ناعمة، إلى السياحة التي لم تُستثمر بعد كمصدر دخل حقيقي، إلى ريادة الأعمال التي تصطدم يوميًا بجدران التمويل والتشريع. هذا المنتدى يتعامل مع هذه القضايا باعتبارها فرصًا استراتيجية، لا مشكلات عرضية.
الرسالة واضحة: الأردن لا يريد البقاء في مربع الانتظار. هناك قرار ضمني بتغيير قواعد اللعبة، بتحديث شكل الدولة، بإعادة تعريف العلاقة بين السلطة والمجتمع، بين الخطاب الرسمي وتطلعات الشارع. رعاية ولي العهد لهذا المنتدى ليست مجرد حضور شرفي، بل هي موقف. موقف من يعلن بوضوح أن الإصلاح لم يعد خيارًا نظريًا، بل مسارًا إلزاميًا إذا أردنا البقاء في سباق العالم.
القوة الحقيقية لهذا المنتدى لا تكمن فقط في محاوره، بل في تفاصيله: شراكات وطنية من القطاع الخاص، مشاركة شبابية من جميع المحافظات، نقل حي على أكثر من شاشة، ووجود نوعي للمؤسسات التي غالبًا ما كانت غائبة عن النقاشات المصيرية. هذا مشهد جديد، لا يشبه النسخ المكررة من اللقاءات النخبوية، بل يقترب أكثر من العقل الجماعي، من الواقع الميداني، من الحاجات الفعلية للناس.
ولعل القيمة الأعمق لهذا المنتدى أنه يُعيد بناء الثقة. الثقة التي تآكلت بفعل التردد الرسمي، والوعود المؤجلة، والبيروقراطية العقيمة. اليوم، هناك مشهد مختلف: قيادة تنزل إلى ساحة الحوار، شباب يتكلمون بحرية، قضايا تُناقش بجرأة، ومؤسسات تخرج من عزلتها وتدخل إلى مختبر الوطن. هذا ليس مهرجانًا، بل تمرين وطني على مستقبل لا يمكن أن نؤجله أكثر.
في "تَواصُل 2025”، لا يُطلب من الشباب أن يصفقوا، بل أن يفكروا. لا يُطلب من الخبراء أن يجاملوا، بل أن ينتقدوا. لا يُطلب من الإعلام أن يغطي، بل أن يُشارك. ولهذا، فإن هذا المنتدى ليس محطة عابرة، بل لحظة مفصلية نادرة، قد تكون بداية تشكّل خطاب أردني جديد، أكثر شجاعة، وأكثر صدقًا، وأكثر قربًا من الناس.