مستقبل الذكاء الاصطناعي في رؤية 2030 للدول العربية: الفرص والتحديات

نبض البلد -
حسام الحوراني

في لحظةٍ فارقة من تاريخ الإنسانية، يقف العالم العربي على أعتاب ثورة رقمية تقودها خوارزميات الذكاء الاصطناعي، مدفوعًا بطموحات كبرى تجسّدها رؤى مستقبلية مثل "رؤية 2030" في السعودية والإمارات وقطر ،وخطط التحول الرقمي ومشاريع التنمية في الأردن ومصر وغيرها من الدول العربية. لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية ضمن رفوف المختبرات أو رفاهية ابتكارية في وادي السيليكون، بل بات جوهرًا استراتيجيًا لإعادة تعريف الاقتصاد، التعليم، الصحة، والخدمات الحكومية في المنطقة.
في جوهر رؤية 2030 تكمن الرغبة الجريئة في تنويع الاقتصاد، التحرر من الاعتماد على النفط، وصناعة نموذج تنموي مستدام يقوده الابتكار والتكنولوجيا. وهنا يبرز الذكاء الاصطناعي كأداة تمكين فائقة ، ليس فقط لتحسين كفاءة الأداء المؤسسي، بل لتشكيل جيل جديد من العقول القادرة على التفاعل مع عصر البيانات الكبرى، والأنظمة الذكية، والاقتصاد المعرفي. نحن نتحدث عن تحوّل حضاري شامل، تذوب فيه الحدود بين الإنسان والآلة، وتُعاد فيه صياغة علاقة المواطن بالدولة، والعامل بالسوق، والطالب بالمعرفة.
الفرص أمامنا هائلة. في قطاع التعليم، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصمم مسارات تعليمية مخصصة لكل طالب، تلبّي قدراته وتستجيب لتطوره الفردي، مما يُحدث ثورة في نتائج التعلم وجودته. في الصحة، يمكن للنظم الذكية أن تتنبأ بالأمراض قبل ظهورها، وتوجه الأطباء لاتخاذ قرارات دقيقة مدعومة بالبيانات. في الإدارة الحكومية، يمكن لأتمتة الخدمات وتعلّم الآلة أن ترفع من كفاءة الأداء العام، وتقلل الهدر، وتسرّع الإنجاز. أما في الاقتصاد، فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يُطلق موجة جديدة من ريادة الأعمال الرقمية، ويفتح أسواقًا جديدة في التجارة الإلكترونية، والصناعات الإبداعية، والتطبيقات المتخصصة، مما يخلق فرص عمل غير تقليدية للشباب العربي.
لكن، كما في كل قوة عظيمة، فإن الذكاء الاصطناعي يحمل في طيّاته تحديات عميقة. أولها تحدي البنية التحتية المعرفية؛ فما زال التعليم في كثير من الدول العربية يعاني من الجمود، والابتعاد عن تنمية التفكير النقدي والبرمجي والتحليلي والابتكاري الذي هو جوهر التفاعل مع الذكاء الاصطناعي. وثانيها الفجوة الرقمية بين المناطق الحضرية والريفية، وبين الفئات الميسورة والمهمّشة. وثالثها الخطر الأخلاقي والاجتماعي المرتبط باستخدام الذكاء الاصطناعي في المراقبة، واتخاذ قرارات مصيرية دون شفافية، أو اعتماد نماذج تدريبية منحازة ثقافيًا أو اجتماعيًا.
هناك أيضًا الحاجة لتأصيل الذكاء الاصطناعي في سياقنا العربي: كيف نبني تقنيات تفهم لغتنا، ثقافتنا، وقيمنا؟ كيف نحافظ على الخصوصية، والعدالة، والهوية في عالم تسيطر عليه خوارزميات عالمية؟ وكيف نشارك لا كمستهلكين فقط، بل كمطوّرين ومساهمين في مستقبل الذكاء الاصطناعي عالميًا؟
المعادلة ليست مستحيلة. بل إن العالم العربي يملك من المقومات ما يؤهله ليكون لاعبًا فاعلًا: ثروة بشرية شابة، طاقات إبداعية، بنية تحتية رقمية في نمو سريع، وصناديق استثمارية قادرة على دعم البحث والابتكار. لكن مفتاح النجاح يكمن في صياغة استراتيجية شاملة: تعليم مرن ومواكب، سياسات واضحة وشفافة، شراكات دولية فاعلة، ودعم حقيقي للبحث العلمي والمواهب المحلية.
مستقبل الذكاء الاصطناعي في العالم العربي ليس بعيدًا أو معقّدًا؛ يمكن ان يُصنع الآن، في كل مختبر يُبنى، وعند كل شاب يُدرّب، وفي كل فكرة تُمنح فرصة للتحقّق. إنه خيار حضاري، ومسار نحو الريادة، ومفتاح لعبور آمن وعادل إلى عالم الغد. وبين الفرص والتحديات، تبقى الإرادة والوعي المجتمعي، والاستثمار الجاد في الإنسان، هي الركائز التي ستحدد ما إذا كنا سنكون صُنّاعًا لهذا المستقبل، أم مجرد مشاهدين له.