"نشمي" وثائقي يلخّص حلم وطن ويكشف عن قلب رياضي لولي العهد

نبض البلد -


ولاء فخري العطابي


في وثائقي عُرض مؤخرًا عبر القناة الرياضية حمل عنوان "نشمي”، فتح سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد قلبه للمشاهدين، وتحدث بكل عفوية وصدق عن شغفه بالرياضة وحلمه الكبير برؤية الأردن في كأس العالم، في عمل إعلامي يُعد من أصدق ما قُدّم عن الأمير الشاب، والذي بدا فيه أقرب ما يكون إلى نبض الشارع الرياضي الأردني.

حيث كشف ولي العهد أن كرة القدم كانت وما زالت الرياضة الأقرب إلى قلبه منذ الطفولة، وكان يتابع المباريات مع والده جلالة الملك عبدالله الثاني ويذهب معه إلى الملاعب خاصة لمتابعة مباريات المنتخب الوطني، ومن أبرز اللحظات التي لا تُنسى بالنسبة له كانت مباراة الأردن مع اليابان في كأس آسيا، التي انتهت بركلات الترجيح، والتي قال عنها: "اللي حضر هاي المباراة، سواء كان كبير أو صغير، ما بنسى هاي اللحظة”.

وبروح رياضيّة ورسائل إصلاحية عبّر سمو الأمير عن أسفه للمستوى الحالي لبعض الأندية المحلية، وبيّن أن السبب يعود إلى سوء الإدارة وغياب المنهجية المالية والتسويقية الواضحة، مؤكدًا أن "العقلية القديمة لا تصنع ناديًا قويًا"، وقدّم تشخيصًا دقيقًا وشفافًا لواقع الرياضة الأردنية مُشيرًا إلى أن بناء منظومة ناجحة يتطلب لاعبًا متميزًا ومُدربًا كفؤًا، ورئيس اتحاد يعرف ماذا يريد، كما وأشار إلى أن المعيار الحقيقي لاختيار اللاعبين هو الأداء فقط وأن من الظلم أن يُستبعد لاعب مميز لحساب آخر، مؤكدًا أن الرياضة تعلمنا أن نقبل الخسارة ونعمل على أنفسنا للفوز وهي فلسفة يجب أن تمتد لتشمل جميع مناحي الحياة.

وفي لحظة مؤثرة، تحدث ولي العهد عن قربه من المنتخب الوطني، وحرصه على متابعة تفاصيلهم الصغيرة والكبيرة، حتى التدريبات والزيارات والدعم النفسي والمعنوي لهم، وقال: "الشباب لهم مكانة خاصة في قلبي، وبحب أدرب معهم وأدعمهم، وهم قدوة لشبابنا”، وفي مشهد حمل دلالات أعمق من مجرد فعالية رياضية دعا سمو الأمير لاعبي المنتخب إلى تجربة الرماية، التي لم تكن مجرد ترفيه بل رسالة وطنية تقول: "الأردن أنتم، وبكم، ومعكم”، وتجلّت في هذه اللحظة مشاعر الفخر والانتماء الحقيقي وارتسمت على وجوه اللاعبين الذين وجدوا في تواجده دعمًا لا يُقدّر بثمن، فقد أراد ولي العهد بلغة غير مباشرة أن يضع اللاعبين في موقع "المدافع عن الوطن”، لا فقط مُمثلاً رياضيًا لهه، وكأن لسان حاله يقول: أنتم في هذه اللحظة تحملون سلاح الأمل والطموح، كما يحمل الجندي سلاح الدفاع والشرف.

فالرماية لم تكن مجرد فعالية، بل اختيار مدروس يوصل رسائل مُتنوعة، ومنها أن الانضباط والتركيز والاحتراف هي قيم مشتركة بين الرياضي والجندي، وأن تمثيل الوطن مسؤولية تحتاج دقة في التصويب نحو الهدف تمامًا كما في الرماية، وأن العلاقة بين القيادة والشباب ليست فقط علاقة دعم، بل مشاركة حقيقية في التحديات في ميادين العمل كما في ميادين التدريب.

كما وأكد سمو الأمير أن حلم التواجد في كأس العالم ليس فقط حلمًا وطنيًا بل حلمه الشخصي منذ الصغر، وقال:
"اليوم فرصتنا نأخذ كأس العالم، وشعوري إذا تحقق هذا الحلم لا يمكن وصفه”، في تصريح ملهم للشباب، يحمّل الجميع مسؤولية تحويل الطموح إلى إنجاز.
سمو الأمير بعبارته هذه لم يتحدث فقط عن المنتخب بل عن جيل كامل، نعم بالتأكيد، تحدث عن جيل يرى فيه أن الطموحات الكبيرة لا يجب أن تُؤجل أو تُحجم، بل تُتابع وتُحتضن بكل جدية، فقد زرع ومن خلال كلامه بالعقول والقلوب فكرة أن "الوصول إلى القمة ليس حكرًا على دول بعينها، بل هو حق لكل من يعمل ويؤمن ويخطط” وكأنه يقول للشباب: "احلموا، بس لا تكتفوا بالحلم، اعملوا واعتمدوا على الإنجاز فهو عنوان الأردن”، وبهذه الروح يتحوّل تصريح شخصي إلى إستراتيجية وطنية غير مباشرة ورسالة بأن الأردن قادر أن يصنع التاريخ إذا اتحدت الإرادة الشعبية مع الدعم القيادي وارتفعت المعايير نحو التميز الحقيقي.

ووجه الأمير المحبوب رسالة واضحة وصريحة للجمهور الأردني، دعاهم فيها لأن يكونوا أكثر صبرًا وثباتًا وألا يكون الدعم انتقائيًا بناءً على النتائج فقط، لأن الرياضة ليست فوزًا دائمًا بل هي دروس من الخسارة أيضًا، مؤكدًا ثقته الكبيرة بالشعب الأردني "قدها وقادر يوصل لمراحل عالية بأداء مشرف”، وفي هذه الرسالة ولي العهد لا يخاطب جمهور الرياضة فقط بل يخاطب جميع أبناء الشعب الأردني، ويُعيد تعريف معنى "الدعم الوطني” بأنه التزام طويل الأمد لا ينكسر بخسارة ولا يتصاعد فقط عند الفوز، وهي دعوة لتغيير ثقافة "النتائج السريعة” واستبدالها بثقافة "المسار الطويل، والعمل الجاد والثقة بالقدرة الوطنية”، وهي القيم التي تحتاجها كل مجالات الحياة، من الرياضة إلى الاقتصاد إلى التعليم.

ما يميز هذا الوثائقي ليس فقط صدق الرسائل، بل روحه الشبابية الحماسية، وتلك اللغة القريبة من القلب والعقل معًا "وثائقي شبابي بامتياز مليء بالأمل والطموح" فقد رأينا فيه قائدًا شابًا لا يعيش في برج عاجي بل بين الناس، يتابع ويحلم ويؤمن بالعمل الجماعي، الرسائل التي حملها هذا العمل تجاوزت مجرد كرة القدم لتصل إلى بناء منظومة كاملة، عنوانها: "بالعزيمة نصل”، فنشمي ليس مجرد فيلم وثائقي بل هو رسالة وطنية عميقة تؤكد أن النجاح لا يأتي صدفة بل بعمل جماعي منظم وقيادة تؤمن بالطاقات الشابة وشعب يقف خلفها، وهو تجسيد واضح لرؤية الأمير الحسين.

في ختام "نشمي”، لا يمكن للمشاهد إلا أن يتوقف أمام القيمة الأسمى التي بُني عليها هذا الوثائقي: الولاء، لكن ليس الولاء بالمعنى التقليدي، بل ذلك الولاء المتجدد العميق الذي رسّخه ولي العهد في كل مشهد: الولاء للفكر الحر، وللعمل الصادق، وللإنجاز الحقيقي، وللوطن الذي نحمله فينا أينما كنّا، ولاء لا يُقاس بالشعارات، بل بالفعل، وبالإيمان بأن الأردن يستحق الأفضل، وأن كل فرد فيه هو حجر أساس في هذا البناء، "نشمي" لم يكن مجرد وثائقي عن كرة قدم، بل كان مرآة لهُوية وطن، ورسالة مفتوحة لكل أردني وأردنية: كونوا كما أنتم… أوفياء بالفطرة، طموحين بالفعل، شركاء بالمسؤولية.