نبض البلد -
حاتم النعيمات
لغاية الآن، لا تزال المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل مستمرة في العاصمة القطرية الدوحة بوساطة قطرية ومصرية، وبمشاركة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف.
هناك مسارين للمجريات فيما يخص هذه المفاوضات، مسار ميداني تسعى إسرائيل لفرضه على أرض الواقع في غزة من خلال عملية برية واسعة لإعادة احتلال القطاع، يصاحبه عملية "خبيثة" لتوزيع المساعدات هدفها الظاهري إنساني لكن جوهرها هو الضغط على الوسيط المصري من خلال جعله تحت تهديد لحظة تهجير مفاجئة. أما المسار الثاني، فهو مسار المفاوضات الذي على يبدو أن وظيفته لا تتعدى تأمين إسرائيل بما تحتاجه من الوقت لا أكثر.
المبعوث الأمريكي "ستيڤ ويتكوف" يمثل مصالح أمريكا فيما يفعله، لكنه في النهاية يدعم الخداع الإسرائيلي أولًا بتضخيم قدرات حماس وإشعارها بأنها ند حقيقي من خلال إيهامها بأن التفاوض معها يعني الاعتراف بها، وهذا ما يردده نشطاء ومنصات بالمناسبة. وثانيًا من خلال المساهمة في تمرير الوقت لتتمكن إسرائيل من السيطرة على الأرض وإطالة عمر نتنياهو. كل هذا الوهم يتم حقنه في المشهد والخاسر الأكبر هو الشعب الفلسطيني في غزة.
ولإثبات هذه الفرضية علينا أن نحلل خطة توزيع المساعدات الأمريكية التي بدا واضحًا أنها متكيفة كليًا مع التحركات العسكرية الإسرائيلية في القطاع، وهذا يكشف أمورًا عدة أهمها أن "ويتكوف" ذاته يفعل كل ما يلزم خدمةً لنتنياهو لا أكثر تحت عنوان الوساطة. والمشكلة الكبرى أن الطرف الآخر وأقصد حماس يتخادم مع هذا الدور سواءً بدراية أو بدون دراية من خلال ابتلاعه لطعم "الندية" المذكور آنفًا، بدافع الحصول عن أي مكسب لتبرير ما خلفه قرار السابع من أكتوبر (هذا في حال افترضنا عدم الدراية بالخدعة). ومع أن الحل بسيط ويتمثل في سحب الذرائع بشكل كامل بتسليم الأسرى الذين لم يعد لهم وزن في المعادلة إلا أن حماس تأبى إلا أن تأخذ المشهد إلى زاوية تضيق يومًا بعد يوم.
المشكلة أن مصر تقف أيضًا على حافة الهاوية بعد التحركات الإسرائيلية الأمريكية المذكورة أعلاه، فالوجود الاستخباري والعسكري "الأمريكي" الكثيف في مناطق توزيع المساعدات يعني أن الولايات المتحدة أصبحت طرفًا في المعادلة الميدانية، وهذا ما تريده إسرائيل لتتقي المواجهة مع مصر لوحدها، فمصر قالت أنها ستقوم باحتلال جزء من غزة وإعادة أي مواطن فلسطيني يتم تهجيره، وفي حال كان هناك تواجد عسكري أمريكي فإن هذا الإجراء سيكون غاية في التعقيد. فالقصة ببساطة أن هناك تهجيرًا لسكان القطاع إلى الجنوب بالقصف تارة وبالمساعدات تارة أخرى وهناك في المقابل سيطرة كاملة لإسرائيل على ما يقارب 77% من مساحة القطاع حسب مصادر فلسطينية وإسرائيلية نقلت عنهم شبكة سي إن إن الأمريكية، ولو تأملنا الخارطة التي يتم تجميع السكان فيها لفهمنا أن التهجير سيتم إما باختلاق ثغرة في الحدود مع مصر أو من خلال نقلهم عبر البحر وهذا الخيار ترفضه مصر أيضًا. نتنياهو نجح للأسف في جر القدم العسكرية الأمريكية إلى غزة تحت عنوان المساعدات وهذا النجاح قد يرفع احتمالية التهجير إلى مصر. وهنا يُطرح السؤال المهم: هل تَعقِل حماس مآلات واحتمالات هذه الوضع؟؟
نحن أمام عبث واضح بمصير أكثر من مليوني مواطن فلسطيني في غزة، وأمام احتمالية كبيرة لجر مصر إلى صراع مباشر مع الولايات المتحدة وإسرائيل بسبب اقتراب سكان القطاع من محور فلادلفيا والشاطئ الجنوبي ضمن تواجد أمريكي عسكري. ولا يُستبعد أن هناك رغبة قد تكونت لدى اليمين الأمريكي والإسرائيلي -الذي تذمّر أكثر من مرة من تنامي القوة العسكرية المصرية- بافتعال حدث ما مع مصر لضرب قدراتها العسكرية أو على الأقل تثبيط تسارع نموها الملحوظ.
الأجواء قد تبدو أجواء مفاوضات لكن الواقع الميداني وعملية تسريب الوقت يؤشران على أن هناك جمرٌ تحت الرماد أتمنى ألا يشتعل في لحظة ما إن هبّت رياح مصالح اليمين المتطرف في إسرائيل وواشنطن، لذلك فالحل الجذري هو سحب الذرائع من واشنطن وتل أبيب، وفضح عدم التكافؤ في الوزن بين ملف الرهائن ومكاسب إسرائيل على الأرض. في المحصلة، إذا لم تضع مصر كل ثقلها لإنهاء هذا العبث فأعتقد أنها ستكون والمنطقة أمام حسابات معقدة يومًا ما.