نبض البلد -
أحمد الضرابعة
الشلل الذي أصاب مؤسسات المجتمع المدني بعد وقف التمويل الأميركي لها، سُرعان ما ظهرت أعراضه، حيث بدأ إيقاف العاملين فيها عن العمل، وتجميد أنشطتها أو تقليصها، وهو ما ينعكس على الحالة الاقتصادية العامة بشكل سلبي، بزيادة معدلات البطالة، وتقليص الخدمات الاجتماعية، وتراجع المشاركة المدنية، والتنمية المحلية، وزيادة معدلات الفقر والتهميش.
رغم نجاح الجهود الدبلوماسية في استثناء الأردن من قرار الإدارة الأميركية بخفض المنح الخارجية، إلا أن قطاع المجتمع المدني ما يزال يواجه تحديات كبيرة بسبب تقليص التمويل الدولي؛ نظرًا لأن الجهات المانحة تعيد توجيه مواردها نحو أولوياتها الوطنية خصوصًا مع صعود قوى اليمين في بعض الدول الأوروبية، وتعدد الأزمات التي تواجهها، بدءًا من الحرب الروسية - الأوكرانية وأزمة الطاقة والتغيرات الاقتصادية العالمية وهو ما يدفعها لتقليص المنح والمساعدات المالية التي تقدمها للدول النامية والمستضيفة للاجئين، مثل الأردن التي تستضيف الملايين منهم.
مع هذا التحول في سياسات المانحين، يقف الأردن أمام تحدٍ مزدوج، وهو الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في ظل تراجع الدعم الخارجي، وفي الوقت نفسه، إيجاد بدائل تمويلية لضمان استمرارية برامج المجتمع المدني الحيوية، والتي تستوعب آلاف العاملين، وتمنح المستفيدين منها فرصًا في مجالات التعليم والصحة والتمكين السياسي والاقتصادي والمشاركة المدنية.
لا تستطيع مؤسسات المجتمع المدني أن تتولى الإنفاق على برامجها بشكل ذاتي كونها لا تملك مصادر دخل تعينها على ذلك، ونظرًا لأنها تُسهم في الحد من نسبة البطالة في الأردن، يجب أن تلتفت الحكومة إلى هذا الملف، والعمل على إيجاد حلول مستدامة تضمن استمرار هذه المؤسسات في تقديم خدماتها الاجتماعية والتنموية دون الاعتماد الكامل على التمويل الخارجي، بما يسهم في الحفاظ على الوظائف التي توفرها هذه المؤسسات وتقليل آثار انقطاع التمويل الدولي عنها.
أخيرًا، تقدم بعض مؤسسات المجتمع المدني برامج للشباب بهدف كسر ما يراه ممولوها قيود اجتماعية وثقافية دينية، وهو ما يعد تدخلًا في منظومة القيم والأخلاق المحلية، ويعتبر ضريبة لارتباط هذه المؤسسات بممول أجنبي، وهذا يجب أن يدفع الحكومة لإقرار ضوابط على التمويل الأجنبي، والعمل على توفير بدائل محلية له وتعزيز التمويل الوطني، وفرض الرقابة على البرامج التي تقدمها هذه المؤسسات.