السياحة للجميع.. الأردن على طريق دمج ذوي الإعاقة رغم التحديات

نبض البلد -

دبلان: السياحة حق وليست مغامرة محفوفة بالمخاطر

السياحة: دمج ذوي الإعاقة في القطاع أولويتنا وتهيئة المواقع مستمرة

الزيتاوي: السياحة الدامجة في الأردن حق لا يزال يواجه العوائق

 يارا بادوسي

رغم الجهود الحكومية المتصاعدة لتطوير القطاع السياحي وجعله أكثر شمولًا، لا تزال فئة الأشخاص ذوي الإعاقة تواجه تحديات بنيوية وثقافية تقف حائلًا دون تمتعهم الكامل بحقوقهم السياحية.

وفي الوقت الذي تؤكد فيه وزارة السياحة والآثار أن الدمج السياحي يمثل أولوية استراتيجية، يسلط صناع محتوى وخبراء الضوء على فجوات واضحة في التهيئة المكانية والخدمية، ما يجعل من «السياحة الدامجة» هدفًا قيد التحقق لا واقعًا شاملًا بعد.

ورغم الجهود، لا تزال السياحة غير متاحة للجميع على قدم المساواة، إذ يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة تحديات ملموسة تعيق قدرتهم على الاستمتاع بالمواقع السياحية أو المشاركة الكاملة في الأنشطة الترفيهية والثقافية. وتشمل هذه التحديات ضعف البنية التحتية، غياب الخدمات المناسبة، ونقص الوعي لدى العاملين في القطاع.

وأشار صانع المحتوى المهتم بالسياحة الداخلية عزت دبلان، وهو من ذوي الإعاقة الحركية، إلى أنه يزور المواقع السياحية في الأردن أربع إلى خمس مرات سنويًا، إلا أن رحلاته لا تخلو من المخاطر والتحديات. وفي حديثه لـ”الأنباط”، قال دبلان إنه يحرص على توثيق رحلاته عبر محتوى مصوّر على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنه يواجه في كل مرة عراقيل متكررة تبدأ بصعوبة الوصول إلى المكان، مرورًا بغياب الممرات الآمنة والمصاعد والمنحدرات المناسبة، وانتهاءً بغياب الخدمات الأساسية كالمراحيض المخصصة ووسائل الراحة.

وأضاف أن بعض الفنادق، رغم تخصيصها غرفًا للأشخاص ذوي الإعاقة، إلا أنها لا تتيح الوصول إلى الشواطئ في مناطق مثل العقبة والبحر الميت، ما يجعل تجربة الإقامة "ناقصة القيمة”، حسب وصفه.

وأكد دبلان أن الحل لا يجب أن يظل مرهونًا بمبادرات تطوعية أو اجتهادات فردية من المنشآت، بل يجب أن يكون جزءًا من الإطار القانوني، مطالبًا بعدم منح التراخيص السياحية إلا للمنشآت التي تطبق معايير التهيئة الشاملة. وأشار إلى أن عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في الأردن يقدّر بما بين 1.3 إلى 1.5 مليون شخص، ما يشكّل سوقًا سياحية ضخمة لم تُستثمر بعد.

من جهتها، أكدت وزارة السياحة والآثار أن السياحة الدامجة تعد من أهم أولوياتها الاستراتيجية، انطلاقًا من إيمانها بحق الجميع، دون تمييز، في الوصول إلى الخدمات السياحية والمشاركة الفاعلة في هذا القطاع الحيوي

وأوضحت الوزارة، في ردها على استفسارات "الأنباط”، أنها تعمل وفق خطة شاملة بالشراكة مع المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية وهي التشريعات وشملت تعديل أسس تصنيف المنشآت السياحية لتتوافق مع قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 20 لسنة 2017، وإدراج مادة ضمن نظام أدلاء السياح تتيح استخدام لغات تواصل خاصة مثل لغة الإشارة. كما تم منح تراخيص لأول دليلين سياحيين من ذوي الإعاقة السمعية، وأدلاء من ذوي الإعاقة البصرية.

والمحور الثاني، بحسب الوزارة، هو التوعية والتدريب، حيث أطلقت الوزارة برامج تدريبية لرفع وعي العاملين في القطاع السياحي حول كيفية التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، كما تعمل على تمكين هذه الفئة من الانخراط في مهن القطاع، خصوصًا الإرشاد السياحي.

أما المحور الثالث، فهو تهيئة المواقع السياحية، حيث شملت أعمال التهيئة مواقع مثل متحف الأردن وجبل القلعة، ويجري العمل حاليًا على مواقع أخرى مثل جرش الأثرية، إلى جانب شراء مركبات كهربائية لخدمة الزوار ذوي الإعاقة.

وأكدت الوزارة أن هناك تقدمًا ملحوظًا في تهيئة المواقع الأثرية والسياحية، حيث شملت جهود التهيئة العديد من المواقع في المحافظات، أبرزها: جبل القلعة، متحف دار السرايا، قصر شبيب، مركز زوار عجلون، موقع المغطس، قلعة العقبة، الكنيسة البيزنطية، ومركز زوار ذيبان، وغيرها. كما يتم حاليًا تطوير متاحف ومواقع جديدة مثل أم قيس ومتحف العقبة.

وشددت الوزارة على متانة التعاون المستمر مع المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، مؤكدة أن التنسيق يشمل جميع مراحل السياسات العامة: من التخطيط إلى المتابعة، بما يضمن مواءمة الخدمات السياحية مع احتياجات ذوي الإعاقة.

كما أشارت إلى أن الأشخاص ذوي الإعاقة معفيون من رسوم دخول المواقع السياحية والأثرية، دعمًا لحقهم في التمتع بالتراث والثقافة دون عوائق مالية.

في السياق ذاته، أكد الناطق الإعلامي باسم المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، رأفت الزيتاوي، أن المجلس يعتبر السياحة الدامجة أولوية ضمن جهوده لضمان الوصول الشامل إلى الخدمات، مشيرًا إلى أن الأردن لا يزال في بداية الطريق نحو منظومة سياحية دامجة فعليًا، رغم المؤشرات الإيجابية.

وأوضح الزيتاوي أن المجلس يعمل على تنفيذ مشاريع نموذجية تُظهر كيف يمكن تهيئة موقع أثري أو طبيعي ليكون متاحًا لجميع الفئات.

وأكد أن التهيئة لا تقتصر على البنية المادية، بل تشمل المحتوى السياحي نفسه، من خلال الوسائل السمعية والبصرية، والترجمة بلغة الإشارة، وإتاحة مجسمات ملموسة تساعد المكفوفين على تصور الموقع.

ولفت إلى أن التهيئة تخدم أيضًا كبار السن، النساء الحوامل، الأطفال، والمصابين مؤقتًا، مشددًا على أنها تمثل استثمارًا اجتماعيًا واقتصاديًا ناجعًا، خاصة أن ذوي الإعاقة يشكلون ما يقارب 10% من السياح في بعض دول العالم، وغالبًا ما يسافرون برفقة عائلاتهم، ما يرفع الإنفاق السياحي الكلي.

واختتم الزيتاوي بالتأكيد على امتلاك الأردن الإرادة السياسية والخبرات الفنية لإحداث نقلة نوعية في هذا الملف، داعيًا إلى خطة تنفيذية واضحة وإرادة حقيقية من القطاع الخاص للنظر إلى التهيئة كفرصة استثمارية وإنسانية، لا كعبء مالي..