ما أشقانا عندما يتحكم فينا أشقانا...

نبض البلد - إبراهيم ابو حويله


هو المخلوق الوحيد القادر على السير وفق رغبته ولو كانت بعيدة عن غريزته وعقله وقلبه وهواه، وهو القادر على ان يسير هكذا في هذه الحياة عبثا وخبط عشواء، بلا رقيب ولا حسيب ولا خوف ولا مراجعة ولا إنضباط من عقل او خُلق او عادة او دين، وهو القادر على ان يكون كل شيء ولا شيء، هو القادر على ان يتحرر من كل شيء، وينضبط بكل شيء، هو الوحيد الذي منحه خالقه هذه القدرة العجيبة، على ان يسير في هذا الكون كما يريد، ويفعل ما يريد ويأخذ ما يستطيع لا ما يريد.

هو القاتل وهو السارق وهو المحتل وهو المجرم، وهو الذي لا يرعوي حتى لو كان في سجله ملايين القتلى من البشر ، قتلهم بقرار او حرب او طمع، او مجرد فكرة، او شهوة او سلطة او حتى حجة زائفة من دين، هو الذي يتحكم بقراره ويسير وفق هواه، وهو انسان العقل والمنطق والاخلاق والدين والإنسانية وخو العكس تماما، وهو الجماعة الوظيفية القادرة على القيام بكل ما سبق، عذرا الدكتور المسيري فهذا المصطلح لك، ولكنه حقا يؤدي وظيفة عجيبة في تبيان هذه الحالة.

بين الإنسان الإنسان وبين الإنسان الوظيفي، وبين الجماعة التي هي امة تسعى في الناس بالحق والعدل والميزان، وبين الجماعة الوظيفية يكمن العنوان.

هل نعيش اليوم مجتمعات وظيفية، وحروب عبثية، ودماء ابرياء تهراق على مذابح الليبرالية، عندما ترفض اوروبا ومن خلفها امريكا انضمام روسيا إلى الناتو، وعندما كان يحلم غورباتشوف ومن بعده بوتين بغد جديد، يصنع للروس مستقبلا جديدا ويفتح لهم افاقا جديدة، ويدخلهم من خلال هذه البوابة السحرية إلى العالم الجديد، عالم الحضارة والمدنية والمنتجات الرائعة والأطعمة السريعة، والمخترعات الجديدة، والبيوت الواسعة والطرق، عالم الوفرة في كل شيء.

لكن كان للغرب رأيا أخر لا لروسيا، فروسيا هي الشر التاريخي، ونعم نريد أن نقنع اوكرانيا ان تستعد للحرب مع الروس، ولكن ايضا لن نسمح لها أن تنضم لنا، أذا هي مجرد جماعة وظيفية تحقق الهدف الذي نريد، ولكن لماذا تخوض القيادة الأوكرانية هذه الحرب، وتحت أي مسمى ستخوضها، تحت مسمى محاربة قوى الشر الروسية، ولكن روسيا تريد ان تتوب، وان تنضم إلى العالم الجديد، ولكن العالم الجديد لا يريدها.

اذا هل هذه حرب عبثية كانت السبب فيها اوروبا وامريكا، ودفعت مالا وسلاحا، والخاسر الحقيقي هنا هو هذه الجماعة الوظيفية التي هي من البشر، ولكنها ليست من الغرب، مليون او اكثر قتلوا، والدولة دمرت وخسرت مناطق وبنية تحتية وشبابا ومستقبلا، كل ذلك مقابل وعود، وجاء هذا الرعديد ليقول لا لكل شيء، فلا سلاح ولا ذخيرة ولا معلومات ولا دعم، حتى تعطوني كل شيء أريد، وها هم يعطوه ما يريد، في مقابل ان يعطيهم السلاح والدعم ليستمروا في حرب ليست حربهم، ولن تحقق لهم ما يريدون، فلا ارض ستعود ولا قتلى سيعودون، ولا سيادة ولا أحلام ستتحقق.

لقد وصل الكثير من المفكرين الغربيين اليوم إلى انه كان من الممكن تجنب هذه الحرب، وليست هذه الحرب وحدها ولكن الكثير من الحروب التي خاضتها البشرية، وفي كل مرة يجلس القادة بعد انتهاء الحرب ليقولوا لن نعيد هذه الحروب، وهذا يكاد يكون متكررا بقدر تكرر تلك الحروب، ولكنها تعود.

هل هي العائلات الشريرة التي تحكم العالم، ام هي الشركات التي تصنع ألالات القتل والسلاح، ام هو الاقتصاد، ام هي القوة والسيطرة، ام هو الجنون البشري الذي يسعى خلف اسطورة قيصر واخيل وعنتره، هل نسعى إلى نكون متحكمين في حياة البشر ونرسل عليهم الصواعق والعذاب، كما في الميثولوجيا اليونانية، هل كانت البشرية غابة فوضوية، وسرقت الإسلحة من السماء لتصنع الفوضى في الأرض، ام هو عقاب للبشر لأنهم لم ينصاعوا للأوامر الإلهية.

ما أشقانا عندما يتحكم فينا أشقانا، ويفرض على العالم رؤيته القائمة على الميثولوجيا التي صنعتها العقول البشرية القاصرة، فهي لا تعرف خلافة ولا أستخلاف، ولا تدرك ان البشر هم في الأساس ذلك الإنسان الذي هو خليفة الله في الأرض ينصاع لأمره، ويعمل بعدله ويسعى لخير الحجر والبشر، هذا الإنسان لا يعرف الظلم، ولا يقدر على ان يظلم، فهو منصاع لأمر السماء، فلا قتل ولا سرقة ولا فساد، ولكن إنضباط بأمر رباني استعدادا لموقف رباني قادم، فمن آمن بقدومه أنضبط بأوامر ديانه، ومن لم ينضبط هل أدرك حقا الخلل الذي صنعه، لا يحدث ظلم في الأرض إلا بفساد إنسان، نعم تبدأ القصة بواحد وتنتهي بجماعة وظيفية، لكنها كلها فشلت في الإمتحان، وما لهذا خلق الله الإنسان، ولكن هل نعي حقا ذلك.