المصري: التقلبات الحرارية تربك نمو النبات والزراعة الذكية هي الحل
الخوالدة: التغير المناخي يهدد استقرار الإنتاج الزراعي والتكيف لم يعد خيارًا بل ضرورة وجودية
العياصرة: البيوت المحمية أصبحت ضرورة رغم تكاليفها المرتفعة
الفهد: تقلبات الطقس أفسدت المحاصيل ورفعت كلفة الزراعة
الأنباط – رزان السيد
في ظل التغيرات المناخية المتسارعة، تتعرض الزراعة المحلية لضغوط غير مسبوقة، تهدد استقرار الإنتاج وتضعف من قدرة المزارعين على التكيف مع الظروف الجوية المتقلبة، من تباين حاد في درجات الحرارة، واختلال مواعيد الأمطار، ما أدى إلى خلل في دورات النمو والإثمار، وانعكس سلبًا على جودة المحاصيل وكميتها.
خبراء ومزارعون حذروا من تداعيات هذه التغيرات على الأمن الغذائي، مؤكدين ضرورة الانتقال إلى أنماط زراعية ذكية وأكثر مرونة، داعين إلى دعم حكومي عاجل لتعزيز قدرة القطاع الزراعي على الصمود في وجه التحديات المناخية الجديدة.
وأشار الخبراء إلى أن الارتفاع المفاجئ في درجات الحرارة يزيد من معدلات التبخر، ما يؤدي إلى فقدان سريع للرطوبة حتى في ظل وجود أمطار سابقة، مؤكدين ضرورة اللجوء إلى حلول مبتكرة لمواجهة هذه التداعيات.
وفي هذا السياق، أوضح وزير الزراعة الأسبق، سعيد المصري، أن الانتقال المفاجئ من البرد إلى الحرارة يعطل التوازن الطبيعي للنبات، فلا يحصل على الوقت الكافي للتدرج في النمو، وهذا ما يربك توقيت التفتح، التلقيح، ونمو الثمار، وبالتالي يؤدي إلى ضعف المحصول أو فشله، مشيرًا إلى أن التقلب السريع في درجات الحرارة يسرّع التزهير قبل أوانه أو يضعف التلقيح بسبب غياب الحشرات أو موت حبوب اللقاح، ما يقلل من عدد الثمار وجودتها.
وأكد المصري، خلال حديثه لـ"الأنباط"، أن الحرارة المفاجئة تزيد من تبخر المياه من التربة والنبات، ما يسبب جفافًا أسرع ويزيد الحاجة للري، مشددًا على أن هذا الوضع يزيد الضغوط على موارد المياه ويؤدي إلى إجهاد النباتات.
وبيّن أن الزراعة التقليدية أكثر عرضة للخطر، لأنها تعتمد على الظروف المناخية الطبيعية، وبالمقابل فالزراعة المحمية والذكية يمكنها التحكم بدرجة الحرارة والرطوبة وتوقيت الري، ما يجعلها أكثر قدرة على مقاومة التقلبات.
وأشار المصري الى أن أكثر المحاصيل عرضة للإجهاد الحراري هي الخضراوات الورقية، الفراولة، والخوخ، أما المحاصيل مثل الزيتون، التين، واللوز، أقدر على التحمل ويمكن التوسع في زراعتها.
واختتم حديثه بالتوصية في تقديم أو تأخير مواعيد الزراعة، حسب مؤشرات الطقس الموسمية، واعتماد زراعات قصيرة الدورة أو متدرجة، وتحديث جداول الري والتسميد لتتناسب مع الواقع المناخي الجديد.
تهديد سلاسل الإنتاج الزراعي
ومن جهته، حذر وزير الزراعة الأسبق، الدكتور رضا شبلي الخوالدة، لـ"الأنباط"، من التأثيرات الخطيرة للتقلبات المناخية السريعة، خاصة تلك المتمثلة بالانتقال المفاجئ من الطقس البارد إلى الحار دون المرور التدريجي المعتاد بفصل الربيع، موضحًا أن هذا النوع من الانقلابات المناخية لا يؤثر فقط على صحة النبات ونموه، بل يمتد ليهدد استقرار سلاسل الإنتاج الزراعي وأمن التربة المائي، داعيًا إلى مراجعة شاملة للأنماط الزراعية التقليدية.
وأشار الخوالدة إلى أنه من أبرز التأثيرات السلبية لهذا التحول المناخي هو اختلال التوقيت البيولوجي للنباتات، إذ تعتمد معظم المحاصيل على مؤشرات بيئية مثل درجات الحرارة وطول النهار لتنظيم مراحل النمو، الإزهار، والإثمار.
كما نوه إلى أن فشل التصلب البارد، وهي عملية ضرورية لتحفيز الإزهار أو مقاومة الحرارة في بعض الأنواع، يؤدي إلى إجهاد النبات، لا سيما إذا لم يتح له الوقت الكافي للتكيف.
وأكد الخوالدة أن هذه التحولات تؤدي إلى تزهير مبكر أو غير متزامن، ما قد يعيق التلقيح الطبيعي بسبب غياب الظروف الملائمة أو انخفاض نشاط الحشرات الملقحة، ولفت إلى أن درجات الحرارة المرتفعة قد تؤدي كذلك إلى ضعف جودة حبوب اللقاح، وانخفاض معدلات الإثمار أو تساقط الثمار مبكرًا نتيجة الإجهاد الحراري أو الجفاف.
وفيما يتعلق بتأثير المناخ على التربة، أشار الخوالدة إلى أن الارتفاع المفاجئ في درجات الحرارة يزيد من معدلات التبخر، ما يؤدي إلى فقدان سريع للرطوبة حتى في ظل وجود أمطار سابقة، قائلًا: "تشقق التربة السطحية، خاصة في الأراضي الطينية، يعيق امتصاص المياه ويضعف نمو الجذور، كما أن أنظمة الري التقليدية تفقد فعاليتها لأن المياه تتبخر قبل أن تتغلغل بعمق."
وفي تقييمه لقدرة الأنظمة الزراعية على مواجهة هذه التحديات، أوضح أن الزراعة التقليدية أقل مرونة، وتعتمد على أنماط تاريخية يصعب تعديلها بسرعة، وتفتقر لأدوات التحكم بالبيئة المحيطة، في المقابل، تمتاز الزراعة الحديثة المحمية أو الذكية بإمكانية التحكم الدقيق بدرجات الحرارة والرطوبة والإضاءة، إضافة إلى استخدام تقنيات الاستشعار للتنبؤ المبكر والتفاعل الآني مع التغيرات المناخية، رغم ارتفاع كلفتها الاستثمارية.
كما بيّن أن بعض المحاصيل التي تعد أكثر عرضة للإجهاد الحراري، مثل المشمش والكرز والخوخ، إضافة إلى القمح المبكر والخضراوات الورقية كـالخس والسبانخ، وأوصى بالتوجه نحو محاصيل بديلة مقاومة، بما في ذلك الأصناف المدعومة وراثيًا لتحمل الحرارة والجفاف.
وأكد الخوالدة الحاجة إلى تعديلات جذرية في التقويم الزراعي لمواجهة هذه الظاهرة، أبرزها، تقديم مواعيد الزراعة لتفادي الفترات الحرارية الحرجة، وزيادة عدد الدورات الزراعية القصيرة لتقليل المخاطر، بالإضافة إلى اعتماد أصناف مبكرة للنضج تقلل مدة التعرض للإجهاد، والتحول إلى نظم ري ذكية مرنة تعتمد على بيانات دقيقة، لا على الجداول التقليدية، وتبني الزراعة المختلطة للحد من التبخر وتحسين كفاءة استخدام المياه.
واختتم الخوالدة حديثه بالتأكيد على أن التكيف مع تغير المناخ لم يعد خيارًا بل ضرورة وجودية، داعيًا إلى دعم البحث العلمي الزراعي، وتبني الابتكار والتكنولوجيا الحديثة في الحقول الأردنية.
مزارعون يشتكون التبعات السلبية
من جانب آخر، أكد المزارع الأردني علي العياصرة، من منطقة شمال المملكة، أن التغيرات المناخية المفاجئة التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة، خاصة التباين غير المعتاد بين فصلي الشتاء والصيف، تركت آثارًا مباشرة وسلبية على القطاع الزراعي المحلي.
وأوضح العياصرة خلال حديثه لـ"الأنباط"، أنه لاحظ تغيرًا واضحًا في أنماط الطقس، الأمر الذي أدى إلى اختلاف مواعيد الزراعة بشكل ملحوظ، ما انعكس على طبيعة المحاصيل ومراحل الإنتاج.
وأشار إلى أن المحاصيل المكشوفة كانت الأكثر تضررًا، بالإضافة إلى أشجار اللوزيات التي بدأت تزهر مرتين في الموسم الواحد، ما تسبب بضعف في الإنتاج وقلة في الكمية، مضيفًا بأن مواعيد الحصاد تأثرت أيضًا نتيجة لهذا الاختلاف المناخي، إذ إن مواعيد الزراعة لم تعد ثابتة كما في السابق، مما خلق إرباكًا في دورة الإنتاج الزراعي.
وأوضح أن كميات المياه المطلوبة للمحاصيل، لا سيما الزراعات البعلية، شهدت ارتفاعًا ملحوظًا بسبب قلة الأمطار الموسمية، مشددًا على أن هذا الواقع رفع من كلفة الإنتاج بشكل عام.
وفيما يتعلق بالآفات الزراعية، بيّن العياصرة بأنه لاحظ اختلافًا في أنماط انتشار الأمراض والآفات النباتية، حيث أصبحت أكثر مقاومة للظروف الجوية المتغيرة، مما يصعّب السيطرة عليها.
ولتقليل الأضرار، أكد العياصرة أنه بدأ باستخدام البيوت المحمية للزراعة، وذلك بهدف ضبط الظروف المناخية بشكل أفضل، رغم ارتفاع تكاليف الإنتاج المرتبطة بهذه الوسائل، مشيرًا بأن كل هذه العوامل مجتمعة أثّرت سلبًا على الإنتاجية والدخل، ورفعت التكاليف التشغيلية، وهذا ما يشكل تحديًا كبيرًا للمزارعين.
أما المزارع أحمد الفهد، فقد أكد بأن التغيرات المناخية السريعة وغير المتوقعة في السنوات الأخيرة ألقت بظلالها الثقيلة على الموسم الزراعي بشكل عام، وحملت معها تغيرات جوية غير مألوفة أربكت حسابات المزارعين، لا بسبب درجات الحرارة وحدها، بل بسبب التفاوت الحاد في توزيع الأمطار وتكرار فترات الجفاف.
وأوضح الفهد، في حديث له مع "الأنباط"، أن التغيرات المناخية لم تعد مجرد حديث نظري، فإن موسم الشتاء لم يعد منتظمًا كما في السابق، فالأمطار إما تتأخر أو تأتي دفعة واحدة وتتوقف، ما يصعب على المزارعين التنبؤ بمواعيد الزراعة.
وأضاف أن الأثر الأكبر كان على الزراعات الموسمية مثل الحبوب والخضراوات، حيث يضطر المزارعين أحيانًا لإعادة الزراعة بسبب تلف البذور، إما من الصقيع المفاجئ أو من ارتفاع الحرارة المفاجئة في منتصف الربيع.
وأشار إلى أن تقلبات المناخ أثرت كذلك على الجدوى الاقتصادية للزراعة، قائلًا:"بات من الصعب وضع خطة إنتاج واضحة، فبعض المواسم تكون جيدة، لكننا نخسر في مواسم أخرى بسبب الجفاف أو موجات الحر المتأخرة".
وبيّن الفهد أنه اضطر لتجربة الزراعة بالتنقيط وبعض أنظمة الري الحديثة للتعامل مع شح المياه، مشيرًا إلى أن تكلفة هذه الحلول مرتفعة، ولا تتوفر بسهولة للمزارعين أصحاب الدخل المحدود.
وعن تأثير هذه التغيرات على الإنتاج والدخل، قال:لا شك أن الإنتاج تراجع، لكن الأكثر إرباكًا هو أن الأسعار في السوق لا تغطي التكاليف، خاصة عندما تتضرر المحاصيل وتصبح جودتها أقل من المتوقع".
ودعا الجهات المعنية إلى توفير دعم فني ومالي للمزارعين، خاصة في مجالات التكيف مع التغيرات المناخية، واستخدام التكنولوجيا الزراعية، مؤكدًا أن الاستمرار في الزراعة أصبح مرهونًا بوجود خطط دعم مرنة ومستمرة.