صمت الجنود، لغة لا يفهمها إلا من عرف التضحية

نبض البلد -
ممدوح سليمان العامري
في لحظة الولادة، نبكي جميعًا بنفس الصوت، نحمل ذات الضعف، ونُلفّ بذات الأقمشة البيضاء، لا فرق بيننا.
لكن الحياة لا تتركنا كما نحن، تمرّ بنا التجارب، وتختبر قلوبنا، وتُفرز أولئك الذين اختاروا أن يكونوا شيئًا أكثر من مجرد بشر عاديين.
أولئك الذين أصبحوا جنودًا.
أن تكون جنديًا لا يعني فقط أن ترتدي الزي العسكري وتحمل السلاح.
أن تكون جنديًا يعني أنك قرّرت أن تضع حياة غيرك قبل حياتك.
أنك قرّرت أن تقف في وجه الخوف، لا لأجل نفسك، بل لأجل من لا يقدرون على الوقوف.
أنك اخترت الليل حين يختار الناس النوم، واخترت التعب حين اختاروا الراحة، واخترت الغياب حين تشبثوا بالبقاء.
الجندي لا يولد مختلفًا، بل يختار أن يكون مختلفًا.
هو الابن الذي ودّع أمّه باكرًا ليحمي أمّهات الآخرين،
هو الحبيب الذي غاب لأجل أن يبقى الوطن حاضرًا،
هو الصديق الذي لا ينتظر أن يُكافَأ، لأنه يعرف أن العطاء الحقيقي لا ينتظر مقابلًا.
في قلب الجندي شيء لا يُفسَّر، هو مزيج من الكرامة، والشجاعة، والصبر.
هو ذاك الإيمان العميق بأن الحياة لا تُقاس بعدد الأيام، بل بما تُقدّمه خلال تلك الأيام.
هو ذاك الحلم الصامت بأن يعيش الناس بسلام، ولو كلّفه ذلك أن يغيب عنهم.
ربما لا نراه كثيرًا، وربما لا نعرف اسمه،
لكنه هناك، في أقصى نقطة حدود، في نقطة تفتيش نائية، في صمتِ الليل،
يحمل بندقيته وقلبه، يحرسنا جميعًا دون أن يطلب منا شيئًا.
نعم، وُلدنا جميعًا متساوين،
لكن بعضنا قرّر أن يكون الدرع، أن يكون الساتر، أن يكون الأمان.
وهؤلاء لا يُنسَون أبدًا، لأنهم ببساطة؛ الجنود.