التاريخ لا يكتبه المحبطون: الأردن وامتحان غزة

نبض البلد -
خلدون خالد الشقران

التاريخ لا يكتبه المحبطون: الأردن وامتحان غزة

لا شيء أشد قسوة من الكذب حين يُلبس ثوب النُصح، ولا شيء أكثر خسة من أن تُشوَّه المواقف المشرّفة باسم الوطنية أو الغيرة على فلسطين. ما نراه اليوم من محاولات مسعورة للنيل من موقف الأردن تجاه غزة ليس مجرد اختلاف رأي، بل حملة ممنهجة تستهدف تقويض الموقف الوطني وتشويه البوصلة.

يهاجمون الأردن لأنه لا يُصفّق للدمار، لأنه لا يسوّق للقتل، ولأنه يقف حيث ينبغي أن يقف كل صاحب ضمير. يحاولون تصوير المساعدات بأنها خيانة، والصمت بأنه خنوع، والدفاع عن الحق بأنه مزاودة. هؤلاء لا يزعجهم الموت في غزة، بل يزعجهم أن هناك من ما زال يرفض أن يكون جزءًا من حفلة الصمت التي نشهدها.

الذين يتطاولون على الأردن، قيادةً وجيشًا وشعبًا، يعرفون تمامًا أن هذا البلد لم يبدّل بوصلته يومًا. من دم الشهداء في اللطرون وباب الواد، إلى الدعم المستمر لغزة في أصعب الظروف، لم يتخلّ الأردن عن دوره، ولم يساوم على موقفه. ولكن يبدو أن ذلك يزعج البعض ممن اعتادوا المواقف الرمادية والتصفيق للقاتل.

نحن نعرف غايتهم، ونعرف أساليبهم. يريدوننا أن نترك فلسطين وحدها، أن نبدو مترددين أو خائفين. لكنهم نسوا أن هذا البلد الصغير بمساحته، كبير بإرادته وتاريخه، لا يقبل أن يُملى عليه كيف يدعم غزة، ولا متى، ولا بأي طريقة.

ولمن يحاولون التشكيك، فليُجب عن الأرقام: منذ أكتوبر 2023 وحتى فبراير 2025، أرسلت المملكة الأردنية 391 عملية إنزال إغاثية إلى غزة، كان نصيب الأردن منها 125 إنزالًا أردنيًا مباشرًا، بالإضافة إلى العديد من الإنزالات التي مرّت عبر سمائه وأراضيه. وفي الوقت الذي يظل فيه البعض يتنقل بين كلمات الشجب والتنديد، كان الأردن بالفعل في قلب الميدان، يقدم العون في أشد الأوقات صعوبة.

بل إن الأردن تخطى كل التوقعات، حين أطلق جسرًا جويًا طبيًا لنقل الأدوية والمستلزمات الجراحية إلى غزة، بالتعاون مع عدد من الدول. هذا ليس صمتًا، ولا خنوعًا، بل هو التزام حقيقي بالقضية الفلسطينية في وقت الحاجة القصوى.

غزة لا تحتاج إلى أولئك الذين يتاجرون بالقضية عبر شاشات التلفزة. تحتاج لمن يصمد، لمن يرفض التطبيع، لمن يمنع تمرير الرواية الصهيونية. وفي هذا الامتحان، لم يرسب الأردن.

أما أبواق التشويه، فلتصرخ كما تشاء… التاريخ لا يكتبه المحبطون