بقلم د. عمّار محمد الرجوب
في لحظة فلسفية تتقاطع فيها الأسئلة الكبرى مع التفاصيل الصامتة وحين يغدو التعليم مرآة لهوية الأمة لا مجرد صفوف وجداول نتأمل في التحول الجذري الذي تشهده الثانوية العامة في الأردن لا كمنهج دراسي فقط بل كمؤشر عميق على نوايا الدولة في صناعة عقل الغد
لسنا أمام قرار إداري بل أمام مفترق وطني وفكري ونفسي فإما أن نكون قد بدأنا رحلة الخروج من عباءة الثانوية المصيرية وإما أننا نعيد إنتاج ذات الفكرة بطلاء جديد
جلالة الملك عبدالله الثاني قال ذات رؤيا ثاقبة
لا إصلاح حقيقي دون تعليم حديث يخرج من التلقين إلى التفكير ومن التبعية إلى المبادرة
والسؤال اليوم هل هذه الصيغة الجديدة للتوجيهي تمثل خطوة على طريق تلك المبادرة التي نادت بها الرؤية الملكية أم أننا نبدل الهيكل ونبقي الروح كما كانت
الدكتور عزمي محافظة وزير التربية والتعليم صرح بوضوح
نحن نغادر فلسفة الفرصة الواحدة إلى نظام مرن متعدد نعيد فيه صياغة الامتحان ومفهوم النجاح ومكانة الطالب
لكن السؤال التربوي والفلسفي الحقيقي هو هل أُعيد تشكيل الطالب ذاته وهل أعدنا تأهيل المعلم والمدرسة والأسرة لهذا التحول
أنا لست مع ولست ضد
أنا بين وبين لأن الفكرة لا تُقاس بالشكل بل بالجوهر ولا تُحاكم بالنية بل بالأثر
نحن لا نرفض التغيير بل نسأل عن عمقه عن شفافيته عن جاهزية البنية التحتية عن فهم الأهالي عن إعداد الكوادر
هل نملك أدوات العدالة التكنولوجية قبل أن نطبق التقييم الإلكتروني وهل نضمن فهم الطالب قبل قياس قدرته على حل سؤال متعدد الخيارات
ما هو نظام التوجيهي الجديد
ابتداء من العام الدراسي القادم تبدأ وزارة التربية والتعليم بتطبيق نظام جديد للثانوية العامة يتضمن
في الصف الحادي عشر
دراسة أربعة مباحث مشتركة وهي التربية الإسلامية، اللغة العربية، اللغة الإنجليزية وتاريخ الأردن ويُعقد لها امتحان وزاري في نهاية الحادي عشر ويُحسب جزء من علامتها في معدل التوجيهي
في الصف الثاني عشر
دراسة ستة مباحث تخصصية حسب المسار الأكاديمي أو المهني
ويمتحن الطالب في أربعة فقط من هذه المباحث التخصصية التي يختارها بنفسه
احتساب المعدل
المعدل النهائي يتكون من ثلاثين بالمئة من علامة الصف الحادي عشر وسبعين بالمئة من الصف الثاني عشر
المسارات المتاحة
المسار الأكاديمي
المسار المهني التقني بالتعاون مع شركة بيرسون العالمية لإعداد الطلبة لسوق العمل من خلال برامج تطبيقية تقنية
نظام الامتحانات
خطة لأتمتة امتحان التوجيهي بالكامل خلال السنوات القادمة من خلال تجهيز أكثر من ألف مختبر حاسوب واعتماد بنوك أسئلة إلكترونية دقيقة وعادلة تهدف لقياس التفكير لا الحفظ
هل نحن مستعدون
قال أحد التربويين في لقاء صحفي
نحن لا نخوض تجربة تجريبية بل نقف على مشارف إعادة تعريف النجاح نفسه
لكن هل يدرك جميع الأطراف من الطالب إلى الأستاذ ومن الأسرة إلى الإدارات هذا التحول المفهومي
وهل وُضعت خارطة طريق واضحة المعالم لشرح هذه النقلة لكل بيت أردني في المدينة والريف والمخيم
الأهالي حتى اليوم يتساءلون
متى الامتحان
كم مادة
متى يُحسب المعدل
هل أستطيع تغيير المسار
متى نختار المواد التخصصية
وهذه الأسئلة حق مشروع لا يجوز تجاهله أو التقليل من أثره على مستقبل الطالب
وأنا أكتب هذه المقالة بعين فلسفية لا تقف عند ظاهر القرارات بل تغوص في عمق أثرها على الإنسان
أرى في هذا التغيير بارقة أمل ولكن الأمل لا يكفي إن لم يُرفق بالشرح والتدرج والتواصل مع الميدان
النجاح أو الفشل لا يُقاس الآن بل بعد سنوات
لذلك فلنكن على قدر الحلم
نشرح نوضح نهيئ نسمع ونعيد التقييم عند الحاجة
فالتربية ليست شعارات بل بناء متدرج في وعي جماعي
التوجيهي الجديد فرصة
لكنه ليس ضمانة
هو نقطة بدء لا نهاية مطاف
فإما أن نحسن الإمساك بها أو نعيد الوقوف على أطلال تعليم فقد ظله
وهنا أقول للوزارة إن التغيير لا يكون قرارًا فوقيًّا بل تواصلاً أفقيًّا مع كل بيت ومعلم وكتاب
فكّروا بالتدرج لا بالصدمة وبالتأهيل لا بالفرض وبالصدق لا بالتجميل
وأقول للطلبة أنتم أبناء مرحلة مفصلية
أنتم لا تُمتحنون فقط بل تُؤسسون لوعي مختلف
أصغوا للمعلمين لكن فكّروا لأنفسكم واطرحوا الأسئلة قبل أن تحفظوا الأجوبة
وأقول للمعلمين لا تكونوا حرّاس المنهاج بل مرشدي الوعي
ولا تحاربوا الجديد بل شاركوا في بنائه
فأنتم الأمناء على هذا الجيل
وأقول للأهالي أولادكم لا يعيشون زمنكم
فلا تقيسوا تجاربهم بمسطرة الماضي
خذوا بيدهم ولكن لا تسيروا نيابة عنهم
اتركوا لهم حق الخطأ والنمو.
وهنا كتبت هذه الابيات من الشعر
إذا ما ارتقى التعليمُ صمتُ القرى يُغني
وإن سكنتْ الأفكارُ فالفجرُ لا يُغني
فلا ترثوا الجهلَ وادفنوا خوفَكم
فالعقلُ لا يُفني
بقلمي د. عمّار محمد الرجوب
عبر الهاتف: 00962795550588
أو البريد الإلكتروني: alrjoubammar@gmail.com و ammar.alrjoub@yahoo.com