هل حان وقت استعادة المشروع القومي الأردني؟

نبض البلد -

أحمد الضرابعة

لن يُعيد السوريون بناء دولتهم في يوم وليلة، ولن تسترد المؤسسات الرسمية في لبنان اعتبارها بكبسة زر، ولن تُحل القضية الفلسطينية على طريقة الجماعات المسلحة التي لا تعترف بموازين القوى ومعادلات السياسة الإقليمية والدولية، والحال أن بلدان الشام التي فشلت وهي في أفضل حالاتها بتوليف رابطة سياسية - اقتصادية فيما بينها لحماية حقوقها الطبيعية، ستظل مسرحًا تتعاقب إيران وتركيا وإسرائيل على فرض نفوذها فيه. وحدها الأردن ما زالت قادرة على النجاة من كل محاولة لإلحاقها بالنماذج الشامية الثلاثة الباقية، وهي آخر قلعة تحافظ على صمودها بفضل إدارتها الحذرة للعلاقات الدولية، واستطاعت أن تظل لاعبًا مستقلًا دون أن تتحول إلى ساحة تتصارع الدول ذات المشاريع الإقليمية على فرض النفوذ فيها.

وفقًا لهذه المعطيات، يمكن القول إن الأردن الذي حافظ بقاءه وأمنه الذاتي منذ عقود قدم أفضل نموذج للدولة العربية من حيث قدرته على الموازنة بين الحفاظ على استقراره الداخلي والانخراط في المشهد الإقليمي دون الانجرار إلى أزمات تستنزف موارده أو توقعه بفخ الاستقطابات، معتمدًا في سياسته على النهج الواقعي الذي وقع معارضوه في أزمات كلّفتهم وجودهم فيما بعد. ومن هنا، فإن الأردن يملك المقومات التي تتيح له فتح مخرج الطوارئ لقيادة فلسطين وسورية ولبنان برؤية سياسية عصرية يتم توليدها بالعودة إلى التاريخ، حيث أنتجت الثورة العربية الكبرى التي قادها الهاشميون مشروعًا سياسيًا يستند إلى فكرة التحرر العربي وبناء دولة حديثة تستوعب تطلعات الشعوب، وهو ما لم يُسمح له بالاكتمال لأسباب عربية واستعمارية. ولكن بعد مرور أكثر من مئة عام على ذلك، تبدو الظروف العربية (قل الشامية) الراهنة ملائمة لطرح تصورات سياسية لو كُتب لها التنفيذ، لشهدنا واقعًا عربيًا وإقليميًا مختلفًا.

الأكيد أن الأردن الذي ما زال يرفع علم الثورة العربية الكبرى ويحتفل بذكراها السنوية، لم يتخلَّ عن فكرها القومي الذي جرب العرب بدائل كثيرة له، سواء كانت أيديولوجيات قومية متشددة أو عقائد طائفية أو مشاريع عابرة للحدود ولكنهم فشلوا في بناء دول حديثة وآمنة ومستقرة. لهذا يجب أن يكون النموذج السياسي الأردني القائم على الاعتدال والتكيف دون التفريط باستقلالية سياسته ملهمًا لكل الذين تعثرت تجاربهم السياسية وفُرض عليهم التيه في بيئة إقليمية لا ترحم الذين لا يصمدون فيها.

لهذا كله، لن يعزل الأردن ذاته عن محيطه الشامي، وهو مستعد للمبادرة السياسية لرد الاعتبار لهذه القطعة من الجغرافيا السياسية العربية التي تعرضت للاختراق والتغول الإقليمي، ولكنه يحتاج إلى شركاء مخلصين لإعانته على القيام بذلك. وإن كان هناك حكماء في فلسطين وسورية ولبنان، فإن على عاتقهم مسؤولية تاريخية في بناء مشهد سياسي جديد يضع مصالح شعوبهم فوق الحسابات الضيقة والصراعات والانقسامات التي استنزفت مواردهم. فالأردن بواقعيته السياسية وإدراكه العميق لتعقيدات يمكنه قيادة مبادرة عربية حقيقية، لكن نجاحها يعتمد على وجود قيادات في هذه البلدان الثلاثة تدرك ضرورة التعاون معه، بصدق وإخلاص وحس قومي عميق.