عاجل

الجلسة العاصفة لمجلس النواب: أهمية تتجاوز الظاهر

نبض البلد -

حاتم النعيمات

دعونا نتأمل بهدوء الجلسة العاصفة التي عقدها مجلس النواب كأول جلسة نيابية تعقب الكشف عن الخلية الإرهابية من قِبل دائرة المخابرات العامة في الخامس عشر من نيسان الجاري. لقد بدت الجلسة كأنها مواجهة ومكاشفة بين التيار المحافظ (الأغلبية) ونواب كتلة جبهة العمل الإسلامي (الأكثرية).

 

لا شك أن من حق المواطنين نقد أداء نوابهم، لا سيما في مثل هذه الجلسة "التاريخية”، غير أن هذا النقد ينبغي أن يسمو على محاولة اختزال المشهد في تفاصيل شكلية تتعلّق ببعض الأخطاء الفردية في التعبير أو الأداء الخطابي من قبل بعض النواب.

 

ينبغي ألا تضللنا بروباغندا الإخوان التي تبعت الجلسة؛ فما حدث كان ردّة فعل طبيعية على أمر جلل يتمثل في ضبط خلايا إرهابية شرعت في تصنيع أسلحة كالصواريخ والطائرات بدون طيار، و القصة ليست مجرد خلاف تشريعي عابر؛ فتلك الخلايا لم تكن تصنع ألعابًا للأطفال، بل أدوات تهدد أمن الدولة واستقرارها. لا توجد دولة في العالم تقبل أن تُصنّع هذه الأسلحة على أراضيها دون علمها لأي سبب كان، ناهيك عن أن تسمح بأن تسعى مثل هذه الخلايا إلى توطين صناعتها، بهدف جرّ البلاد إلى نفق الفوضى والعنف، كما حدث في دول أخرى على يد جماعة الإخوان ذاتها والتي اعترف المتهمون أمام الكاميرا بالانتماء لها.

 

صحيح أن بعض النواب خرج عن النص (بما فيهم نواب الجبهة بالمناسبة)، لكن عضوية أي مجلس نيابي في العالم لا تشترط أن يكون العضو خطيبًا مفوهًا أو فيلسوفًا عميق الفكـر، فالنائب بالعموم يُنتخب من قبل عامة الناس كممثل لحاجاتهم وتطلعاتهم، لا من قبل الأكاديميين والمفكرين، ولا أقصد الإساءة لمؤسسة البرلمان الأردنية الراسخة بقدر ما أريد أن أضعها في مجال التقييم الموضوعي غير المتحيِّز. لذلك فإن ما شهدته الجلسة من توتر ومبالغات ليس غريبًا إذا ما قورن بتجارب برلمانية عالمية حفلت بما هو أشد فوضوية، فهذه طبيعة البرلمانات ونحن لسنا استثناءً بالمطلق.

 

الجميع، بمن فيهم حزب جبهة العمل الإسلامي، يدركون أن الانتخابات كانت نزيهة. ولو شابها أي نوع من التزوير، لما توانت قوى مثل الإخوان واليسار، عن إثارة الأمر بكل الوسائل وعلى جميع المستويات، غير أن الواقع يشهد أنهم أقرّوا بنزاهتها وقبلوا نتائجها. لذا، لا جدال في أن هذا المجلس يمثل إرادة غالبية الشعب، وقد مُنِح شرعيته من نسبة مشاركة بلغت 30% ممن يحق لهم التصويت، يقابلهم 70% ممن اختاروا بمحض إرادتهم التنازل عن حقهم بالاختيار ومنحه لمن شارك؛ والقصد هنا أن أثبت أن المجلس هو انعكاس حقيقي لتوجهات الذين انتخبوا.

 

لقد سعى المجلس، بصفته ممثلًا للشعب وحاملًا لإرادته إلى منح الحكومة غطاءً شعبيًا للتعامل مع هذه القضية، وذلك انسجامًا مع الدستور والقانون وإجماع القوى الوطنية، وهو ما تحقق بالفعل، رغم ما شاب الجلسة من ملاحظات هامشية لا يمكن أن تنسينا جوهر الحدث وخطورته، ورغم محاولات البعض تسويق صورة مبالغ بها عن أداء بعض النواب في الخطابة.

 

على الجانب الآخر فقد كشفت الجلسة أيضًا تعنّت كتلة جبهة العمل الإسلامي وعدم إدراكها لخطورة الموقف، إذ بدا خطابها منفصلًا عن الواقع من خلال إحجامها عن إدانة العملية بشكل صريح أو حتى عن إعلان عدم ارتباطها بجماعة الإخوان المنحلة بحكم قضائي قطعي، وهذا التعنُّت كان أساس تصاعد اللهجة وحدية الخطاب. والأغرب من ذلك أن رئيس الكتلة نفسه أدلى بتصريح يعزز فرضية تورط الجماعة عندما قال إن هذه الأسلحة صُنعت للاستخدام الخارجي، وكأن الخلاف حول وِجهة الأسلحة وليس حول خطورة تصنيعها على أرض دولة ذات سيادة.

 

باختصار، كانت الجلسة النيابية بمثابة تغطية للبعد السياسي الشعبي لأي إجراءات مقبلة ضد الجماعة والحزب من قبل السلطة التشريعية، وهو أمر مهم حتى وإن كانت القضية في عهدة القضاء، لأن لمثل هذه القضايا أبعاد تتجاوز الشق الجنائي إلى السياسي والأمني والاجتماعي والفكري.

 

وفي الختام، فإن عرض تصريح جلالة الملك الذي أشار فيه إلى من يتلقون أوامرهم من الخارج في بداية الجلسة، ومضمون الكلمة الافتتاحية لرئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، يشيران بوضوح إلى أن الدولة عازمة على المضي قدمًا في محاسبة التنظيم الإخواني سياسيًا وقانونيًا دون تهاون أو تراجع. وهذا بطبيعة الحال يضع كل أردني أمام واجباته بدعم تحرّك الدولة وبالمساعدة في صد الحملات الإلكترونية والإعلامية المعادية، وبتوضيح الحيثيات لكل أردني أثرت عليه الرواية المضادة.