دهون: علاقة بين متابعة حياة الآخرين وتدني تقدير الذات
البطوش: أضرار كثيرة للاستخدام العشوائي للأجهزة الذكية
الرجبي: المحتوى الرقمي مفيد إذا عومل كأداة لتطوير الذات
الخصاونة يحذر من عقوبات قد تطال صناع المحتوى في حال مخالفتهم القوانين
الأنباط - وسيم طلفاح
في زمن تتسارع فيه عجلة التكنولوجيا، أصبحت حياتنا اليومية مرتبطة بمواقع التواصل الاجتماعي، وغدت متابعة حياة الآخرين عبر هذه الوسائل عادةً يومية تسكن تفاصيلنا.
ووسط زحام الصور المثالية واللحظات المنمقة، يجد الشباب أنفسهم عالقين في دوامة المقارنة والبحث عن كمال زائف، فتتآكل ثقتهم بأنفسهم، وتتسلل مشاعر الإحباط والقلق إلى أرواحهم، وفي خضم هذا التيه، تبرز الحاجة الملحّة إلى يقظة تدعوهم لاستخدام هذه الوسائل بوعيٍ ورؤية، بعيدًا عن سطوة المقارنات، وباتجاه بناء ذواتهم الحقيقية، حيث تكون المقاييس إنجازًا صادقًا لا انعكاسًا لصور عابرة.
تقدير الذات تحت ضغط المثالية والكمال
الطبيب النفسي محمد دهون يرى أن هناك علاقة بين متابعة حياة الآخرين وتدني تقدير الذات وذلك بسبب مقارنة أنفسنا بالآخرين مما يشعرنا بالضغط أو الإحباط، وفي حال شعرنا أننا لا نحقق نفس النجاحات أو لا نبدو كما يبدو الآخرون يمكن أن يؤدي ذلك إلى القلق الاجتماعي الذي يؤدي إلى زيادة القلق بشأن كيفية تقييم الآخرين لنا، مؤكدًا أن المقارنة تحدث عندما نرى الأشخاص الآخرين يحققون إنجازات معينة نحن لا نقوم بها ويؤدي ذلك إلى الشعور بالنقص وتدني الذات.
وذكر الدهون أن الصور المثالية على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر لحظات مثالية من حياة الناس ما يجعلنا نشعر بأن حياتنا ليست صحيحة أو مليئة بالسلبيات، لذا من المهم أن نكون واعين لهذه التأثيرات ونسعى لتقليل الوقت الذي نقضيه في متابعة حياة الآخرين والتركيز بدلًا من ذلك على تحسين تقدير الذات من خلال الإيجابيات في حياتنا الخاصة.
وبين أن الفضول أبرز أسباب متابعة الشباب للسوشال ميديا بحجة الرغبة في معرفة ما يحدث حولهم ومتابعة أخبار أصدقائهم والمشاهير أو للتواصل الاجتماعي، فالسوشال ميديا توفر وسيلة للتواصل والتفاعل مع الآخرين ما يجعل الشباب يشعرون بالانتماء، وهناك فئة من الشباب يجدون في السوشال ميديا مهربًا من الواقع والضغوط اليومية، ولا ننسى التسلية والترفيه فقد يكون للسوشال ميديا محتوى مسلٍ أو ترفيهي.
وأوضح أن التعرض المستمر للمحتوى السلبي أو المقارنة بالآخرين يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية مثل الأخبار السلبية أو التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي ما يزيد من الشعور بالقلق والاكتئاب أو ربما العزلة.
وأشار إلى أن المقارنة بالآخرين خاصة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تؤدي إلى شعور دائم بالاستياء وعدم الرضا عن الحياة فعندما يرى الفرد الأشخاص الآخرين يعيشون حياة تبدو مثالية قد يشعر بأنه غير قادر على تحقيق نفس المستوى من السعادة أو النجاح.
الاستهلاك العشوائي للمحتوى الرقمي
من جهتها، بينت الاستشارية النفسية والأسرية والتربوية حنين البطوش أنه ومع تسارع وتيرة التطور التقني وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح استهلاك المحتوى الرقمي سلوكًا يوميًا شائعًا بين الأفراد على اختلاف أعمارهم، ورغم ما يحمله هذا المحتوى من فوائد معرفية وترفيهية، إلا أن التفاعل معه بشكل غير واعٍ قد يتحول إلى عادة سلبية تؤثر سلبًا على التفكير والإنتاجية والصحة النفسية، مؤكدة أن الخطورة تكمن في أن هذا النمط من الاستهلاك يتم غالبًا بلا وعي أو تدقيق، ما يؤدي إلى تعرض الفرد لمحتوى قد يؤثر عليه دون أن يشعر.
وتابعت أن متابعة المحتوى الرقمي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من واقعنا اليومي في هذا العصر الرقمي، إلا أن الأهم من ذلك هو أن تكون هذه المتابعة مبنية على وعي واختيار مدروس، فالفرد الواعي هو من يوجه اهتمامه نحو ما ينفعه، لا من ينجرف وراء المحتوى دون تفكير، مشددة على أهمية تعزيز مهارات التفكير النقدي، وتحديد غاية واضحة من استخدام الإنترنت، إلى جانب الحرص على انتقاء المحتوى الهادف الذي يدعم نمو الفرد ويعزز من صحته النفسية والفكرية.
وذكرت البطوش أبرز السلوكيات التي تدل على متابعة المحتوى الرقمي دون وعي مثل التنقل العشوائي بين المنصات دون هدف، وعدم التمييز بين المحتوى المفيد والضار، والتقليد الأعمى للمؤثرين دون مراعاة القيم والبيئة، مضيفة أن الإدمان الرقمي والانفصال عن الواقع مما يؤثر على العلاقات الاجتماعية، وتبني أفكار وآراء دون تفكير نقدي، مع الشعور بالضيق أو القلق بعد فترات طويلة من الاستخدام نتيجة التعرض لمحتوى غير صحي.
وأوضحت أن استهلاك المحتوى الرقمي أصبح جزءًا من حياة الشباب في ظل سيطرة الأجهزة الذكية ووسائل التواصل، ورغم فوائده، فإن الاستخدام العشوائي له يسبب أضرارًا عديدة كضعف التركيز، الإدمان الرقمي، اضطرابات نفسية كالقلق والاكتئاب، ضعف الروابط الاجتماعية، تبني مفاهيم خاطئة، وضياع الوقت، مؤكدة أن مثل هذه السلوكيات تؤثر على نمو الشباب وتقديرهم لذواتهم، مما يستدعي نشر الوعي حول مخاطر هذا الاستهلاك، وتشجيع الاستخدام الواعي والهادف للمحتوى الرقمي.
ودعت البطوش إلى استخدامٍ واعٍ ومتوازن للمحتوى الرقمي، من خلال تنظيم وقتهم، واختيار المحتوى بعناية، وتطوير التفكير النقدي، مع تقليل المقارنات بالآخرين وتعزيز تقدير الذات، كما يُنصح بممارسة أنشطة تنمي المهارات الاجتماعية، ومتابعة مصادر موثوقة، والاستفادة من أدوات التحكم الرقمي، إلى جانب تعزيز الحوار مع الأسرة والمعلمين، فتنمية الوعي الذاتي وتنظيم الاستخدام تمثل وسائل فعالة لحماية الشباب وتعزيز توازنهم النفسي والاجتماعي.
الديتوكس الرقمي.. لتفريغ السموم الرقمية
بدوره، أشار أستاذ الإعلام الرقمي في جامعة الشرق الأوسط الدكتور محمود الرجبي إلى أن المنصات الأكثر تأثيرًا بشكل سلبي على الصحة النفسية للشباب هي إنستغرام وتيك توك، ثم سناب شات، ويرجع ذلك إلى تركيز هذه المنصات على الصورة المثالية للجسد والمقارنة الاجتماعية، بالإضافة إلى التحديات التي تقيس القبول المجتمعي من خلال عدد المتابعين والإعجابات.
وبين الرجبي أن هذا المحتوى يسبب شعورًا بالنقص، ويعزز القلق الاجتماعي، وقد يؤدي إلى الاكتئاب، خاصة لدى من يعانون من ضعف تقدير الذات أو في مراحل تكوين الهوية، وقد أظهرت دراسة أجريتها مع الدكتورة حنان الشيخ تأثير مؤثري منصات التواصل الاجتماعي على الشباب، لتجنب ذلك، يجب على الشباب أن يدركوا أن ما يُعرض ليس واقعًا بل تمثيل انتقائي، من المهم أيضًا ممارسة "الديتوكس الرقمي" بتخصيص فترات منتظمة للانفصال عن المنصات، ومتابعة محتوى تثقيفي ونفسي إيجابي بدلًا من الانغماس في نماذج سطحية تؤثر سلبًا.
ولفت الرجبي إلى أنه يمكن للشباب الاستفادة من المحتوى الرقمي إذا تعاملوا معه كأداة لتطوير الذات، لا مجرد وسيلة ترفيه، فالمحتوى الإيجابي متاح لكنه يتطلب وعيًا في الاختيار، مثل متابعة الحسابات العلمية والمبادرات المجتمعية، والمشاركة في نقاشات هادفة، موضحًا أن المشكلة تكمن في خوارزميات المنصات لأنها تعرض ما يوافق تفضيلات المستخدم فقط، مما يعزز الانعزالية ويقلل من التعددية الفكرية، لذا فالمفتاح هو وجود نية مسبقة تحدد هدف الاستخدام ليصبح أكثر وعيًا وفائدة.
وبين أن خوارزميات المنصات الرقمية صنعت بطريقة مدروسة، تهدف إلى إبقاء المستخدمين أطول فترة ممكنة عبر عرض محتوى يثير مشاعرهم القوية، سواء السلبية كالخوف والغضب، أو الإيجابية كالدهشة والضحك، كما تتعلم هذه الخوارزميات من كل تفاعل للمستخدم، مما يؤدي إلى ضخ محتوى مشابه بشكل مستمر، لافتًا الى أن ذلك يخلق ما يُعرف بـ"فقاعة الخوارزمية"، التي تعزل الفرد عن التنوع المعلوماتي وتعزز لديه الانعزال، وفي هذا السياق يظهر خطر الإدمان، إذ يظن المستخدم أنه يستمتع، بينما هو في الحقيقة يقع في دائرة استهلاك متكرر تؤدي إلى إرهاق عقلي وعاطفي، وتحد من نموه الشخصي.
دور الجامعات في التوعية الرقمية
والجامعات مطالبة اليوم بأداء دور محوري في التوعية الرقمية، إذ لم يعد التعليم الأكاديمي وحده كافيًا، ويتحقق ذلك عبر دمج التربية الإعلامية والرقمية في المناهج، وتدريس مهارات التفكير النقدي، وفنون التعبير الإيجابي، وصناعة المحتوى، ورغم إدخال بعض هذه الموضوعات ضمن مقررات مستقلة أو مدمجة، إلا أن التحدي يكمن في غياب الأرضية النقدية لدى كثير من الطلبة نتيجة ضعف التربية المسبقة، ومن هنا فإن نجاح الجامعات في هذا الدور يتطلب تنسيقًا أوسع مع الأسرة والمجتمع، لضمان تكامل الجهود في بناء وعي رقمي ناضج لدى الشباب، بحسب الرجبي.
العقوبات القانونية على صناع المحتوى المخالفين
وحذر الخبير القانوني الدكتور صخر خصاونة من العقوبات التي قد تطال صناع المحتوى عند نشرهم لإعلانات كاذبة أو بث أفكار تتعارض مع مبادئ الدولة أو الدين أو العرف.
وأوضح الخصاونة أن قانون الجرائم الإلكترونية الأردني ينظم عملية النشر عبر المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي من خلال المواد 15 و16 و17، حيث تفرض عقوبات على الجرائم المتعلقة بالذم والقدح، ونشر الأخبار الكاذبة، واغتيال الشخصيات، والمساس بأمن الدولة، وإثارة النعرات الطائفية والعنصرية.
وأشار الخصاونة إلى أن العقوبات تختلف حسب نوع الجريمة، حيث تتراوح بين الحبس لعدة أشهر وحتى ثلاث سنوات، وفقًا لأحكام القانون، مضيفًا أن الجماعات التي تروّج للفكر الإرهابي أو تبث رسائل تهدد أمن الدولة، يُعاقب الناشرون والمتفاعلون معها عبر التعليقات أو الإعجابات، بالأشغال الشاقة التي قد تصل إلى عشرين عامًا.
وأكد أن نشر محتوى يخالف الدين أو العادات والتقاليد أو يثير الفتن الداخلية يُعد من الجرائم المنصوص عليها في المادة 17 من قانون الجرائم الإلكترونية.