الأردن في مواجهة التغير المناخي.. سياسات طموحة وتحديات تمويلية ووعي مجتمعي قيد التشكّل

نبض البلد -

الخشمان: الأردن يقود معركة البقاء في وجه التغير المناخي بسياسات جريئة وتمويل دولي حاسم

الأنباط – ميناس بني ياسين

بينما يتسارع تغيّر المناخ عالميًا بوتيرة مقلقة، ويتزايد الضغط على الدول النامية لمواكبة هذا التحول البيئي الخطير، يسير الأردن بخطى مدروسة نحو بناء منظومة وطنية صلبة قادرة على مواجهة التحديات المناخية، إذ اعتمدت المملكة استراتيجيات وسياسات شاملة ترتكز على التكيف والتخفيف، وتعزيز مرونة القطاعات الحيوية مثل المياه، الزراعة، والطاقة، بدعم من تمويل دولي متنوع.

وفي هذا السياق، أكد أستاذ هندسة المياه والبيئة والتغير المناخي عمر الخشمان أن الأردن لا يكتفي بإجراءات تجميلية، بل يخوض "معركة بقاء" حقيقية عبر خطط واضحة، وتعاون حكومي–مدني فاعل، وسعي حثيث لتفعيل دور الشباب والمرأة في هذا التحدي المصيري؛ تصريحات الخشمان تُظهر كيف يضع الأردن المناخ على رأس أولوياته التنموية، رغم ما يواجهه من تحديات مالية ومؤسسية حقيقية.

حيث أشار إلى أن أبرز هذه السياسات تتمثل في السياسة الوطنية لتغير المناخ (2022–2050)، التي جرى تحديثها لتوجيه البلاد نحو اقتصاد منخفض الكربون ومجتمع أكثر مرونة في مواجهة الأزمات المناخية، تماشيًا مع أهداف اتفاقية باريس، مبينًا أن هذه الوثيقة تُعد مرجعًا استراتيجيًا لكافة القطاعات، إذ يُطلب منها دمج البعد المناخي في خططها واستراتيجياتها طويلة الأمد، كما تُستخدم كأساس لتحديث المساهمات المحددة وطنيًا (NDCs).

وأوضح أن وزارة البيئة أطلقت أيضًا "الخطة الوطنية للتكيف مع التغير المناخي"، والتي تضم تدابير تكيفية في قطاعات حيوية مثل المياه والزراعة والصحة والطاقة والنقل، بالإضافة إلى مبادرات واسعة مثل زراعة 10 ملايين شجرة في مناطق متأثرة بالتصحر لافتًا إلى أهمية "برنامج التكيف مع التغير المناخي (2016–2025)" الممول من صندوق التكيف، والذي يستهدف تعزيز مرونة المجتمعات الفقيرة والهشة، من خلال مشاريع مبتكرة في وادي الأردن ووادي موسى تعنى بإعادة استخدام المياه المعالجة والزراعة الذكية مناخيًا.

كما شدد على دور "استراتيجية التكيف القطاعي في القطاع الصحي" التي وضعتها وزارة الصحة، وتهدف لبناء نظام صحي مرن وصديق للبيئة، يسعى إلى تقليل انبعاثات الكربون وتحقيق صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050.

وأشار الخشمان إلى أن هناك مشاريع تمويلية دولية بارزة تدعم جهود التكيف في الأردن، منها منحة بقيمة 33 مليون دولار من صندوق المناخ الأخضر بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لتحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة، ومنحة أخرى بقيمة 60 مليون دولار تهدف إلى الإدارة المتكاملة للمناظر الطبيعية، خاصة في شمال وادي الأردن.

وبين أن التخطيط المناخي في الأردن يتقاطع بشكل وثيق مع القطاعات الحيوية، لا سيما المياه والزراعة والطاقة. ففي قطاع الزراعة، أوضح أن هناك مشروعًا بالتعاون مع الفاو لتحسين كفاءة الري وتعزيز الزراعة المقاومة للجفاف.

أما في قطاع المياه فقد تم تنفيذ مشاريع لحصاد المياه وإعادة استخدامها وبناء بنية تحتية مرنة بالتعاون مع مؤسسات محلية ودولية، مشيرًا إلى أن الأردن يتبنى استراتيجيات طموحة لتعزيز كفاءة استخدام الطاقة، وتوسيع اعتماد مصادر الطاقة المتجددة، بما يخدم الاقتصاد الوطني ويعزز الاستدامة البيئية وفيما يتعلق بالطاقة.

وقال إن التعاون بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني في الأردن يُعد ركيزة أساسية في تنفيذ السياسات المناخية، حيث تشترك وزارات مثل البيئة، الزراعة، والمياه، إلى جانب منظمات دولية مثل الفاو وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في تنفيذ مشاريع في محافظات مثل مادبا، الكرك، الطفيلة، ومعان.

وأكد أن هذا التعاون يهدف إلى تعزيز الأمن الغذائي، وتوفير فرص عمل، وتحقيق تكامل استراتيجي بين القطاعات لمواجهة التغير المناخي، وعن مشاركة الفئات المجتمعية، الأردن يحرص على إشراك الشباب والمرأة في الاستراتيجيات المناخية من خلال مؤتمرات مثل LCOY، والتي تُنظم بالتعاون بين وزارات الشباب والبيئة واليونيسف، حيث يشارك فيها مئات الشباب في ورش عمل وجلسات حوارية، وقد تم اختيار بعضهم لتمثيل الأردن في مؤتمرCOP29.

كما أشار إلى إطلاق برنامج "صون" لتعزيز مشاركة الشباب من خلال تدريبهم على تنفيذ مشاريع بيئية مبتكرة، إلى جانب اعتماد البيئة كأحد محاور جائزة الحسين بن عبدالله الثاني للعمل التطوعي، موضحًا أن الأردن أطلق أول تقرير لتحليل المساواة بين الجنسين في قطاع التغير المناخي، بهدف سد الفجوات الجندرية وتطوير سياسات تراعي العدالة البيئية والاجتماعية.

وأوضح الخشمان أن الأردن يعتمد بشكل كبير على التمويل الدولي لتنفيذ خططه المناخية، حيث يُعد التمويل الخارجي عنصرًا حيويًا في قطاعات مثل المياه والطاقة والزراعة واستشهد بمشاريع مثل السند الأخضر الأول في الأردن بتمويل من مؤسسة التمويل الدولية بقيمة 50 مليون دولار، ومبادرة الإدارة المتكاملة للمناظر الطبيعية بتمويل قدره 44.9 مليون دولار من صندوق المناخ الأخضر. كما لفت إلى برنامج البنك الدولي بقيمة 500 مليون دولار لدعم تعافي الأردن من جائحة كوفيد-19 من خلال استثمارات خضراء.

وفيما يتعلق بالتحديات بيّن أن الأردن يواجه فجوة تمويلية تُقدّر بـ3.4% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا، إلى جانب اعتماده الكبير على المنح، ما يهدد استدامة المشاريع. كما أشار إلى ضعف القدرات المؤسسية المحلية وتأثيرات النزاعات الإقليمية على تدفق التمويل، مما يستدعي تعزيز التنسيق المؤسسي وتوسيع قاعدة الممولين.

وعن موقف الأردن من "الهدف الجماعي الجديد للتمويل المناخي" (NCQG)، أوضح أن الأردن يواكب هذه النقاشات الدولية، خاصة عبر مشاركته النشطة في مؤتمرات المناخ مثل COP29، مشيرًا إلى أن الأردن يعمل على تعزيز قدراته التمويلية من خلال مبادرات مثل الحوار العام-الخاص، وتدريب القطاع المالي، وتطوير خطط وطنية تستهدف استثمار فرص التمويل المناخي في مجالات التكيف والتخفيف.

وأكد أن أبرز التحديات التي تعيق تنفيذ هذه الخطط محليًا تتمثل في غياب مخصصات مالية واضحة ضمن الموازنة الوطنية للمشاريع المناخية، إضافة إلى محدودية التنسيق بين القطاعات، والحاجة إلى تمكين القطاع الخاص كممول رئيسي في المشاريع الخضراء.

وفيما يتعلق بوعي المجتمع الأردني تجاه التغير المناخي أشار الخشمان إلى أن هناك تطورًا نسبيًا في الإدراك العام، لكنه لا يزال غير كافٍ حيث أظهرت دراسة أن 87.6% من المواطنين يشعرون بتغير في أنماط الطقس، لكن 52% فقط سبق لهم سماع مصطلح "التغير المناخي"، بينما يعتقد 58% أن لا جدوى من مواجهته، ما يعكس شعورًا بالعجز لدى فئات واسعة من المجتمع. وأوضح أن هذا يتطلب تكثيف الجهود الإعلامية والتعليمية، خاصة بين فئات الشباب والنساء، لتعزيز ثقافة بيئية قادرة على دعم السياسات المناخية وتحقيق التحول نحو مجتمع واعٍ بيئيًا.

واختتم الخشمان حديثه بالتأكيد على أن الأردن يسير على الطريق الصحيح من حيث السياسات والتعاون الدولي، لكن النجاح في مواجهة التغير المناخي يتطلب مزيدًا من العمل المحلي، وتحقيق شراكة حقيقية بين المواطن والدولة، لضمان مستقبل أكثر استدامة وأمانًا بيئيًا.