إبراهيم ابو حويله يكتب :درة التاج ...

نبض البلد -

قال سون تزو في كتاب فن الحرب : درة التاج هو ذاك الذي يحمي جيشه ووطنه ولا يسعى لسمعة ولا نصر شخصي على حساب وطن وجنود .

ما نستقرؤه من التاريخ أن الحضارات والدول على ما تظهر من قوة ، إلا أنها تمتاز بهشاشة غريبة ، ولكن هناك مؤشرات تشير إلى قوة أو ضعف الدول وفي أي مرحلة ، وبحثت في هذه كتب مثل المقدمة لإبن خلدون والأمير لميكافيلي و فلسفة التاريخ لهيجل ، نعم هناك معرفة وعلم في إدارة الشعوب.

هناك معرفة وعلم في التعامل مع السياسة والحكام ، وقد كان هناك حرص من الطرفين على معرفة وسائل القوة والضعف في الطرفين. ، وطرق سيطرة كل طرف على الآخر.

وكما قال سون ايضا يجب أن لا تطيع السياسي عندما يأمرك بالانسحاب اذا كنت ترى النصر ، ولا تطيعه في البقاء في المعركة اذا كنت ترى الهزيمة .

بين القيادة والشعب نعم الشعب هو ابو السلطات جميعها ، وهو من يمنح الحقوق ويسلب الحقوق ، ولذلك نقول بأن قوة الشعوب هي كالماء هادئة ناعمة ولكنها مدمرة .

الشعوب بعقلها الجمعي تختلف تماما عن الفرد وما يتصل بها وما تهتم به هو النتائج بشكلها النهائي ، وذاكرتها مؤقتة ولا تتذكر إلا المواقف الأخيرة ، وهذا في المجمل صحيح .

ولكن الشعوب تحتاج إلى القانون الشفاف والعادل والحزم في إنفاذ القوانين ، والسبب في ذلك هو العقل الجمعي الذي يتحكم بسير الجماعة واتجاه المسير .

تملك الشعوب العديد من الوسائل للتأثير على صانع القرار من النكتة والتي تعتبر على بساطتها من اقوى وسائل التعبير ، ولك أن تتخيل بأن الدولة الفاطمية لم تستطع تغيير معتقد المصريين والسبب أن خلفائهم كانوا موضع نكتة المصريين وسخريتهم .

إلى الأسلوب المباشر في التوجيه والنصح ومن ثم الاعتصامات والاضرابات وصولا الى العصيان المدني وهو يمثل صورة عليا من التعبير .

ما يهمنا هنا هو الوصول إلى التغيير بعيدا عن التأثير المباشر على الدولة او جيشها او مؤسساتها وأن تكون الشعوب هي السبب في إنهيارها أو خسارتها لمقومات إستمرارها.

الحكمة تقتضي تقديم مصلحة الطرفين ، ولو تم تغليب مصلحة طرف على الآخر فغالبا ما يخسر الطرفين ، ربما ما زالت المعادلة ترجح لصالح هذه الفئة تارة أو لصالح تلك الفئة تارة أخرى.

لأجل ذلك تنظر الشعوب الى النبوة ، ولكن النبوة شيء مختلف فهي تسعى لمصلحة الشعوب ولو على حسابها الخاص ، والطبائع البشرية لا تستقيم بحالة العطاء الدائم ، ولكن تحتاج إلى المكافأة العادلة على العمل حتى يستقيم حالها .

وتحتاج إلى الرقابة الدائمة حتى لا يعوج حالها ، وقوة الشعوب هي في استقامة افرادها ، وعدم القابلية للانحراف والقوة في مواجهة إنحراف افرادها ، ونعود هنا الى درة التاج الذي هو المواطن الصالح الذي يقدر الظرف والمصلحة ويقدم مصلحة الوطن ولو أن فيها خسارة شخصية .

وهذا ما يفعله الجندي والشهيد والمقاومة فهي تقدم مصلحة الوطن على المصلحة الخاصة فيرتقي المجموع والجماعة على حساب الفرد ، وعندما يسعى الجميع للمكاسب لا يكسب احد في الغالب ، عندما يتحول كل شخص لا يستحق ما يطالب به وما يسعى له ولا يستطيع تحصيله إلى معارضة .

عندها تصبح القضية في غاية الصعوبة ، وتصبح الثقة محل شك في أصحاب المسؤولية ، و هل هذا فعلا يستحق هذا الذي يطالب به ام لا يستحقه .

وما هو الضابط هنا ، ولذلك لجأت بعض الدول إلى وضع أسس ومعايير ثابته وواضحة وشفافة للخروج من هذا المأزق ، وإن كانت مع كل ذلك لا تفلح أحيانا.

فإذا لم يعي الإنسان أهميته ودوره الحضاري في صناعة الوطن والحفاظ عليه ، قد ينخرط في اي من هذه الأمور التي فيها تجاوز على صاحب حق وحرمان للوطن من كفاءة .

وبعض المعارضين أو لنقل قلة قليلة منهم ترفع لهم القبعات، فهم يسعون إلى المصلحة وينتقدون الاخطاء والاخفقات ، ويطرحون حلولا قد يصيبون وقد يخطئون ، ولكن تشعر بالهم والمصلحة عندهم وهم يشكلون معارضة واعية ذات رسالة وهدف ...

ولكن ما بلينا بهم في هذا الزمان ، فئة تشعر بالتفاهة الشديدة لديهم فلا طرح ولا منهج ولا رسالة، مجرد إساءات وتشهير وشخصنة، نحن نحتاج إلى معارضة واعية ذات رسالة تهدف إلى النصح ودفع المسؤول إلى دائرة الصواب لا أن تقعد مكانه ،ونعيد الكرة مرة بعد مرة ، دعونا نفكر ولو قليلا في إنجاح الفئة التي تريد العمل ودفعها إلى الأمام.

أو على أقل تقدير أن نضع أنفسنا خلف العربة فلا تعود للخلف ، نعم إن تأخر الحكومة في التعامل مع الظروف الراهنة ، وعدم المكاشفة والشفافية والوضوح يؤدي إلى خلق بيئة مناسبة للاشاعات .

ولكن أليس أحيانا كثيرة نتجنب نحن الصراحة اذا كان الطرف الآخر يتعامل مع هذه الصراحة بأسلوب سيء ويبني عليها ابنية من الخيال والقدح والتطاول.

انا اؤكد دائما إن الرسالة مرسل ومستقبل ومضمون...

يجب أن نحرص على خلق اجواء من الثقة والتقبل والإحترام المتبادل حتى نخرج من هذه الحالة الراهنة .

إبراهيم ابو حويله...