خليل النظامي

خليل النظامي :-إقصاء الصحافة وأدواتها عن المشاركة في صناعة القرار السياسي

نبض البلد -
نبض البلد -
من الواضح جدا أن أعمدة المطبخ السياسي الأردني يعتقدون أن الصحافة والاعلام مجرد دمية يستمتعون باللعب فيها كيفما ووقتما يشاؤون لـ خدمة مصالحهم الخاصة ويحتمون بها حين يتعرضون لـ المساس أو الخطر، ولم نراهم يوما يتخذون من هذه المنظومة وأدواتها شريكا لهم على طاولة صناعة القرار السياسي في الدولة.

وهذا السلوك ليس حصريا فقط على مطبخ الدولة، وإنما أصبح عادة لدى السواد الأعظم من مؤسسات ودوائر السلطات كافة، فـ الصحافة لديهم مجرد ماكنة يستخمونها لنقل إنجازاتهم وفعالياتهم ونجاحاتهم الباهرة، ودكتور يجري عمليات البوتكس والفيلر والتجميل لـ مناطق الفساد والترهل الإداري والمالي.

وهذه الخطيئة ليست بكامل ذنبها تعزى لـ مطبخ الدولة السياسي والمؤسسات الحكومية، وإنما يتحمل الجزء الكبير من هذا الذنب القائمين بعمليات الإتصال والمسؤولين عن إدارة عمل المنظومة الصحفية والاعلامية، وتطويرها وحماية العاملين فيها، والذين بات الكثير منهم يقاتل في سبيل الدفاع عن فساد هنا وترهل هناك من أجل إرضاء رئيس وزراء سابق أو وزير حالي أو شخصية نخبوية مقابل حفنة من الدولارات وسهرة حمراء في إحدى مزارع الشمال والجنوب.

والمضحك في هذا، ان جميع المكونات في الدولة الأردنية سواء المؤسسات الحكومية أو مؤسسات القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، يعتبرون شركاء في صناعة القرار في مطبخ الدولة، بإستثناء الصحافة التي تنتظر خارج جدران الغرف المغلقة لتحصل على صورة أو معلومة تتغذى عليها.

في الدول المتقدمة والتي تمنح الصحافة ومراكز الدراسات والأبحاث أولوية لـ الجلوس على طاولة صناعة القرار، يعتبرون أن الصحفي والباحث هم الأقرب لتوثيق ورؤية إنعكاسات الجماهير والمواطنين على السلوكيات السياسية والإقتصادية لتلك الدولة وحكوماتها، أما لدينا نحن كـ دول وصفت أنها دول "العالم الثالث" يعد الصحفي والباحث في نظر حكوماتنا وأنظمتنا مجرد ماكنة تستخدم وقت الحاجة فقط..

وعلى سبيل المثال لا الحصر، منذ الإعلان عن إنطلاق ورشات عمل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، خرجنا وقلنا أن هذه اللجنة يجب أن يرافقها لجنة إعلامية متخصصة في علم الإتصال وفنون الإقناع الجماهيري، وعزينا ذلك لـ طبيعة النسيج الإجتماعي الأردني والذي يعتبر في نظر الكثير من السياسيين أنه مجتمع غير صديق لـ البيئة الحزبية، الأمر الذي يحتاج عمليات إتصالية مكثفة من قبل متخصصين في الإتصال والإقناع يقومون بـ إجراء الدراسات والأبحاث على المجتمع بشكل عام لمعرفة مواطن الدخول إليه والتأثير في توجهاته نحو المشاركة السياسية.

مطالبتنا هذه لم تلفت نظر الكثير من الساسة والمنظمين لعمل اللجنة الملكية لـ تحديث المنظومة السياسية، والذين إكتفوا بنشر بيان صحفي وبعض الأخبار والصور تراشقوها عبر وسائل الاعلام ومنصات التواصل الإجتماعي معتقدين بـ ذلك أنهم سيحققون التأثير الكبير على توجهات الشباب في المجتمع الأردني من زاوية تعزيز المشاركة السياسية في الأحزاب.

وبكل أسف ها نحن الآن نحصد النتائج، ونرى ونلمس يوميا ما كنا قد حذرنا منه سابقا من تهميش لـ دور الصحافة والاعلام في صناعة القرار السياسي لـ الدولة، فـ المشهد بات أكثر تعقيدا مما كان عليه في السابق، وها هي الحكومة عادت لـ الصحافة والاعلام وأدواتها لـ محاولة نشر ثقافة المشاركة السياسية في الأحزاب، وتعقد الورشات والندوات تلو الندوات لتحقيق هذا الهدف الذي بات مستحيلا.

هذا المثال وغيره من الأمثلة الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى في نمطية عمل المؤسسات الحكومية ومطبخ الدولة، مدعاة لـ مراجعة موقف هذه المكونات من منظومة الصحافة والاعلام وأدواتها والعاملين بها، وإيجاد مقعد لها على طاولة الغرف المغلقة عوضا عن بقاءها في الخارج خلف الجدران تنتظر صورة أو معلومة.